تقريبًا بين كل عشرة أحذية في العالم تحمل العلامة التجارية الشهيرة لشركة اديداس، هناك حذاء واحد فقط أصلي، تم صنعه بالفعل بواسطة الشركة الألمانية الأصل، والباقي مقلد وإن تباينت درجة الجودة بصورة قد يصعب على غير الخبير كشفها. ورغم أن نسبة
الأخبار المفبركة أو الكاذبة، أو لنسميها كما يشاع “المضروبة” ليست بنفس نسبة أحذية اديداس المقلدة وهي 90%، فالواقع يقول أنها أقل بكثير، وقد تصل لحدود الـ 1%، ولكن بالقطع تأثيرها وضررها على صناعة الصحافة وعلى عقول الناس أكبر بكثير من ضرر حذاء مقلد.
*****
فوز دونالد ترمب برئاسة أمريكا.. أعقبه خروج الكثير من الأصوات التي تقول أن فوزه كان نتيجة لبث العديد من الأخبار الكاذبة ضد المرشحة المنافسة هيلاري كلينتون، والتي واجهت سيل من الشائعات التي انتشرت كالبرق على صفحات شبكات التواصل الاجتماعي، ما أدى لترجيح كفة المرشح الجمهوري في الأيام الأخيرة، كما قال المؤيدين.
مثلا : أخبار تدعى أن بابا الفاتيكان فرانسيس يؤيد دونالد ترمب، وأخرى تفيد بالعثور على جثة الضابط الفيدرالي الذي يحقق في قضية البريد الإلكتروني الخاص بالمرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون مقتولا إثر حادث مجهول!
في المقابل كانت هناك أخبار مفبركة مضادة أو غير دقيقة في الجانب الأخر، وواجهت شبكات التواصل الاجتماعي اتهامات بأنها ضد ترامب، وقيل أن مسؤولي خدمة الأخبار يعطون أفضلية لأخبار الليبراليين لتظهر في قائمة الأخبار الأكثر تداولا على (Trending Box). وهي فى مصر خدمة غير متاحة.
هذا غير أخبار من عينة عزم بارك أوباما الانتقال لكندا في حالة فوز ترامب، وسقوط الموقع الكندي المسؤول عن تلقى طلبات الهجرة، وهو ما تورطت CNN وكذلك الجارديان في نشره، غير عشرات من الأخبار غير الدقيقة، مثل عزم ترامب عدم منح تأشيرة دخول لدول بعينها منها مصر والسودان وافغانستان والعراف، وحصول مؤيدي هيلاري على أموال للتظاهر ضد ترامب.
*****
في أعقاب انتشار الأخبار المفبركة في أمريكا قبل وبعد الانتخابات الأمريكية وملاحظة تأثيرها، بدأت حملات هجوم كثيرة على موقع فيس بوك تحديدا وبصورة أقل جوجل، لحثهما على مواجهة هذا السيل من الأخبار المفبركة التي تنتشر عبر منصاتهم، بل وصل الأمر لاتهامهم بصورة مباشرة بأنهم يتعمدون قيادة الرأي العام. ما دفع نيويورك تايمز لرصد وتحليل قصة تطور وانتشار خبر مفبرك.
والملاحظ أنه نادرا ما يوجه اللوم لموقع تويتر، ربما لأن جمهوره أكثر وعيا وأقل عددا مقارنة بجمهور فيس بوك.
خطورة تداول الأخبار المضروبة في أمريكا يعود لأن ما يقرب من 62% من الجمهور الأمريكي من الناضجين يحصلون على أخبارهم عبر منصات التواصل الاجتماعي، وعلى رأسها فيس بوك، وذلك فقا لدراسة حديثة لمعهد بيو الشهير للأبحاث. ورغم لا يوجد في مصر دراسة مشابهة، لكن يتوقع أن لا تبعد النسبة كثيرا.
ومن جانبه رفض مارك زوكربرج مؤسس فيس بوك أن يتم محاسبة فيسبوك على دقة الأخبار. وقال “من الجنون أن نعتقد أن أخبارا كاذبة نُشرت على فيسبوك كان لها أثر على الانتخابات”.
وأصبحت الأخبار الكاذبة لعنة تطار الشبكة الاجتماعية الأشهر في العالم والتي تساوي 350 مليون دولار، وتواجه سيل من الانتقادات الواسعة، حتى أن البعض اتهم ممارستها بأنها ذات تأثير سيء على مستقبل الديمقراطية في أمريكا والعالم كما نشرت نيويورك تايمز، ما دفع فيس بوك بالتصريح بأنه: “شركة تكنولوجيا وليست شركة إعلامية”.
تحليل الفبركة !
في أمريكا، لوحظ أن الأخبار المفبركة دائما ما تتركز في الصحافة السياسية والفنية في الأغلب، بينما تقل نسبيا في الصحافة الرياضية، وتكاد تنعدم في الصحافة الاقتصادية، وصحيح الحال في مصر مشابهة لدرجة كبيرة، ولكن هذا لا يمنع أن لدينا أخبار مضروبة أو مفبركة في المجال الاقتصادي والرياضي، ومحتوى هذا الأخير كثيرا ما ينشر على المواقع منسوبا لمصدر مجهول.
ولكن في كل الأحوال نسبتها أقل بكثير من تلك المتعلقة بالأخبار السياسية أو الفنية وتلك المتعلقة بالمشاهير بشكل عام.
وربما يعود ذلك للقراء أنفسهم كما يرى جاك شيفر في مقالة له بموقع بوليتكو، فالصحافة الاقتصادية أو الرياضية لديها جمهور واعي يدقق كثيرا في مصدر المعلومة التي يتلقفونها، ويفسر شيفر ذلك قائلا: “طبيعة شغفهم واهتمامهم يجعلهم خبراء نسبيا، ما يعزز الذائقة السليمة نتيجة المتابعة الدائمة”.
وحتى لو تعرضوا لأخبار مفبركة فغالبا يتجاهلونها، أو يطلبوا تصحيحها ومراجعتها. باختصار نستطيع أن نصف هذا النوع من الجمهور بالذكي، الذي يرفض أن يمرر لعقله هذا المحتوى المفبرك.
وينتقد جاك شيفر في مقالة دعوات مطالبة فيس بوك بتطوير آليات لمحاربة الأخبار المفبركة، ويتسأل: هل نريد حقـًا لفيس بوك ممارسة تلك السُلطات لتحديد ما هو صحيح وما هو خاطئ؟
ويضيف :ألن نثور إن استحوذت شركة واحدة على كل أكشاك الصحف، وأقرت سياسات تحدد ما هو الملائم للقراءة وما هو غير الملائم؟
ويحذر من أن خوارزميات فيس بوك لمنع الأخبار الزائفة، يمكن لاحقا استخدامها لمنع أنواع أخرى من المعلومات والتي قد تُسبب نفس النوع من الهلع من انتشار الأخبار الكاذبة. كلام جاك شيفر الذي عمل في السابق في رويترز ومجلة سلايت، يمكن أن ينتقد في أوجه عدة، لكن في كل الأحوال هو يطرح زاوية هامة يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار.
كحلول بديلة مقترحة، يمكن الاستفادة من تجربة موقع Factcheck.org بتوعية القراء لكيفية التعرف على طلبات البريد الإلكتروني الوهمية. والتي ساعد فيها موقع Snopes، وكذلك Buzz Feed. أي أن التعاون بين وسائل الإعلام والمهتمين بالأمر مع استخدام برمجيات ذكية لإنشاء فلاتر وأدوات، مثل ملحقات المتصفح “تول بار”. يمكنها أن تكشف الخداع وتقلل منه، ولكن لا دعونا نتفاءل كثيرا، لأنه أبدا لن توقفه نهائيا.
جمهور الإنترنت في مصر
للآسف، لا توجد دراسة جادة تقول لنا طبيعة سلوك جمهور الإنترنت في مصر، مستواهم الاقتصادي والاجتماعي والتعليمي وتوزيعهم الجغرافي، في الحقيقة أي دراسة جادة من هذا النوع ربما قد تورط صاحبها في مسألة القانونية، ومع هذا لو نظرا للأمر نظرة هيلوكوبتريه فالطبيعي أنه من الفئات الأكثر ثقافا ووعيًا في مصر.
ومع ذلك فلدينا تداول رهيب للأخبار المضروبة ربما يكون أضعاف ما يتعاطاه المستخدمين في أي مكان في العالم، ولدينا ناس تصدق رغم أن مستواها التعليمي عالي أكاذيب واشاعات ساذجة، منشورة على موقع ساخر أحمق مثل “الأهرام المكسيكي” من عينة: اعتماد مرتضي منصور خطيب لمدة عام، صرف بدل شموخ للقضاة؛ وغيرها من الأخبار التي لا يقبلها عقل.
والمبكي في الأمر: أن هناك صحفيون يصدقون ويشاركون في تداول هذه الأخبار المفبركة !
الحقيقة أن مشكلة مصداقية الأخبار في مصر قد تنتهي عند الأخبار المضروبة، لكنها تبدأ بأطنان من الأخبار غير الدقيقة والتي تنشر بمصادر مجهولة أو بمعلومات ناقصة تدخل الأمر تحت بند عيوب الصناعة، وهو الأمر الذي يضرب رأس مال صناعة الأعلام وهو المصداقية، وهنا يجب أن نتوقف كثيرا، ونتحدث ونتناقش ونفكر في الحلول أكثر، ليس فقط لأسباب أخلاقية ومهنية، ولكن أيضا لأسباب اقتصادية تهدد بضرب هذه الصناعة، وانسحاب كل العناصر الجادة منها.
للاشتراك في نشرة المنتدى من هنا
للاشتراك في صفحة المنتدى على الفيس بوك من هنا