وزير الثقافة يكتب عن رواية إبراهيم عيسى‎

حلمي النمنم – نقلاً عن المصري اليوم

يتيح الحكى ويتيح فن الرواية لصاحبه، إن كان متمكناً من أدواته ومتعمقاً فى موضوعه، أن يقول ما لا يسهل قوله فى سياق ومجال آخر، ليس لخوف سياسى ولا تخوفاً من سلطة سياسية، بل من السلطة الاجتماعية، التى هى أقوى كثيراً، وهذا ما يتبينه بسهولة قارئ رواية إبراهيم عيسى الجديدة «رحلة الدم»، التى صدرت مؤخراً، وكان «إبراهيم» قد أصدر قبل أربع سنوات روايته البديعة «مولانا»، التى ترصد كواليس «الدعاة الجدد»، وعلاقاتهم المتشابكة بأجهزة السلطة ورجال المال، وأيضاً النساء، وكل هذه العلاقات خفية، ليست واضحة لدى الرأى العام، واضح له- فقط- الصورة المتبتلة لبعضهم على شاشات الفضائيات، «مولانا» هى قصة توظيف الدين واستغلاله فى كل شىء، حتى لو كان الوقوف على باب الجريمة، وربما ارتكابها، وأظن أن «مولانا» قادت صاحبها إلى أن يبحث فى الظاهرة من جذورها وبداياتها التاريخية، أى مع عصر الخليفة الثالث عثمان بن عفان.

وهذه الرواية ترد الاعتبار للخليفة الثالث، الذى قُتل قتلة بشعة، واتُّهم كثيراً، وقد توقف كثيرون عند استشهاد الحسين بن على «شهيد كربلاء»، وكذلك أمام مقتل على بن أبى طالب «كرم الله وجهه»، وتجاهلوا أو صمتوا عن مقتل الخليفة عثمان بن عفان، ويبدو أن هذا الأمر أخذ فى العصر الحديث يؤرق المؤرخين والكتاب، فنجد محمد فريد أبوحديد يصدر، سنة 1927، مسرحية شعرية بعنوان: «مقتل سيدنا عثمان»، حاول أن يقلد شكسبير فيها، لكن الموضوع يتعلق برغبته فى إنصاف الخليفة الثالث، وسوف نلاحظ أنه استعمل تعبير «الثّوار» فى وصف مَن خرجوا على الخليفة، وكان «أبوحديد» قد كتب تلك المسرحية أثناء الحرب العالمية الأولى، ثم جاء من بعده «العقاد» فى كتابه المهم: «ذو النورين: عثمان بن عفان»، وكذلك د. محمد حسين هيكل فى كتابه: «عثمان بن عفان.. بين الخلافة والمُلك»، وهو الذى لم يكتمل بسبب انتقال د. هيكل إلى رحمة الله، ثم د. طه حسين، خاصة فى الجزء الأول من كتابه «الفتنة الكبرى»، هؤلاء جميعاً استشعروا مسؤوليتهم التاريخية والنقدية، وكذلك السياسية، تجاه هذه المأساة المروعة، التى حدثت مبكرا فى التاريخ الإسلامى، وحاولوا فهم وتحليل تلك الواقعة من كافة جوانبها.

مقتل «عثمان» مطروح على العقل العربى وعلى ضمير المسلم والإنسان عموماً، وهكذا وجدنا أحد رجال وزارة المعارف يصدر كتاب «إنصاف عثمان»، وأمامه وجدنا أمير التكفير «سيد قطب» ينهال بأبشع الاتهامات والشتائم على الخليفة الثالث، فى كتابه «العدالة الاجتماعية فى الإسلام»، ويبدو أن المؤرخين المسلمين، الناقمين على «بنى أمية» عموماً، وعلى الدولة الأموية، تعمدوا تضخيم ما قيل عن أنه انحياز الصحابى الجليل والخليفة الثالث لقرابته فى اختيار الولاة والأمراء، بما بدا وكأنه يقدم تبريراً ضمنياً لتلك الجريمة البشعة.

واليوم، نجد إبراهيم عيسى يتناول هذه القضية، روائياً، وبتصوير فنى بديع وبناء إنسانى محكم، فضلاً عن مراعاة الدقة والأمانة التاريخية والعلمية بقدر الإمكان.

تناول هذه المأساة فرض على الروائى ضرورة متابعة تفاصيل فتح مصر، باعتبار أن التحرك ضد الخليفة بدأ من الفسطاط، وهنا يرصد «إبراهيم» المسكوت عنه تاريخياً فى هذه المسألة، وكان المؤرخون مختلفين دائماً حول «فتح مصر»، %D