فاتن الوكيل
على عكس جميع الذين تخيلوا الأسى الذي كان سيصاب به الأديب العالمي نجيب محفوظ عقب تصريحات النائب البرلماني أبو المعاطي مصطفى، عندما صرح أن أدب نجيب محفوظ “خادش للحياء” ويستحق العقاب عليه، تخيلته أنا وهو جالس على أحد المقاهي التي اعتاد على الجلوس فيها مع “الحرافيش”، ويضحك من قلبه على هذا الحديث، وربما راودته الأفكار لأن يجعل هذا النائب بطلا لإحدى رواياته، يُعبر من خلاله عن مستوى انحدار الشخصية المصرية.
وبما أننا اليوم نهتم بذكرى ميلاد نجيب محفوظ، أكثر كثيرا من هذا العبث البرلماني، خاصة وأن اليوم يمر 105 عاما على ميلاد الأديب العالمي، الذي يوافق 11 ديسمبر 1911، فلا مانع من أن نُفكر، كم مناسبة خاصة بنجيب محفوظ يمكننا أن نتذكره بها؟، الإجابة هي عشرات بل مئات المرات. ذكرى الميلاد والوفاة. ذكرى حصوله على جائزة نوبل. عند عرض كل فيلم من أفلامه، وما أكثرهم.
الذكريات كثيرة ولا تقف عند هذا الحد. يعود لنا حيا عند مشاهدة أهم حواراته، عند قراءة إحدى جمل رواياته المميزة، التي يتم تداولها على صفحات الفيسبوك، مصحوبة بصورة له ماشيا في شوارع القاهرة، ثم يمكن أن نتذكره ونترحم على أيامه عندما يطلع علينا من وقت لآخر، أحد الراغبين في أن يجذبوا الأنظار إليهم، لينتقد أدب نجيب محفوظ، ليس من باب النقد الأدبي بالطبع، لكن بشكل يهدف في المقام الأول إلى إحداث “دوشة فاضية” لا أكثر ولا أقل.
إعلام دوت أورج يستعرض لقطات بارزة من بعض حوارات ولقاءات نجيب محفوظ.
محفوظ: نوبل لم تخطر لي على بال!
ف حوار سابق له ببرنامج “الأمسية” الذي قدمه الإعلامي الراحل فاروق شوشة، وأعادت قناة “ماسبيرو زمان” إذاعته، كشف محفوظ عن رأيه فيما ُردد حول جائزة نوبل. حيث أجري الحوار عقب أسابيع فقط من حصوله على الجائزة عام 1988.
محفوظ الذي أكد أن “نوبل” لم تخطر له على بال، ولم يحلم بها أبدا، أضاف أن هذا الحديث لا يعد تواضعا، لكنه أوضح أن الجيل الذي انتمى إليه، كان “مؤسس” لنوع من الأدب، وكان هدفهم هو زرع هذا الأدب في المجتمع، ونزع الاعتراف بهذا الشكل الحديث للأدب على المستوى الشعبي والرسمي، مشيرا إلى أن هذا الهدف يعتبر “محلي” وليس دوليا، لذلك لم يكن يتصور أن يكون لهذه العملية بعدا دوليا متمثلا في جائزة نوبل.
شرح محفوظ معنى السبب الذي نال على أساسه “نوبل”، وهو حسب حيثيات الجائزة “نجح في غرس فن قص عربي”، حيث قال ضاحكا إن هذا الأمر يُشبه أن توجه سؤالا لأحد الأشخاص عن “شكل مشيته عامل إزاي”، مضيفا: “لو مشافش مشيته دي في فيلم مش هيعرف شكل مشيته إزاي”.
سرعان ما عاد محفوظ إلى الجدية موضحًا معنى حيثيات الجائزة، قائلا إن جيله من الأدباء نشأ في أحضان التراث، وتمثلت قراءاتهم في القرآن الكريم والحديث ثم أدب ألف ليلة وليلة، والملاحم، ثم أدب العصر الحديث، وهو ما ترك أثرا عليهم، ثم اطلعوا على الشكل والفكر العالمي، وعندما كانوا يحاولون محاكاة هذا الأدب العالمي، كانت كتاباتهم تتأثر بمخزونهم الثقافي والتراثي، مؤكدا أن هذا أمرا يُلاحظه المشاهد او القارئ، لكن لا يمكن للأديب أن يصفه.
الفتوة والعالمة والتكية في أدب نجيب محفوظ
في فيلم تسجيلي أعد عن حياة نجيب محفوظ، أوضح خلاله أسباب اختياره لبعض عناصر رواياته، مثل “الفتوة”، قائلا إنه عايش عصرهم في الواقع، عندما كان لكل حارة فتوة، مضيفا أنهم تنوعوا بتنوع سمات البشر، منهم “الشهم”، ومنهم من كانت له انحرافاته الخاصة، مشيرا إلى أنه في الأغلب كان يستخدمهم في الرواية للإشارة إلى السيد القوي أن الحاكم، ثم يُختتم حديث محفوظ بجملة لأحد “الفتوات القدامي” قائلا “الفتونة أدب مش قلة أدب”.
العالمة شخصية أخرى ميزت روايات نجيب محفوظ، موضحا أنهن كن يُرقصن في الأفراح أو للترويح على النساء في قعداتهن، لكنه أراد بشخصية العالمة، التركيز على أنه إذا كانت هذه السيدة منحرفة، فيمكنها أن تكون أشرف كثيرا من بعض الرجال الذين يعتقدون في أنفسهم العظمة، وما هم إلا مجموعة من المنحرفين.
انتقل بعد ذلك إلى “التكية”. رأها محفوظ رمزا للقيم الروحية، مؤكدا أنه استخدمها كرمز أكبر من واقعها، أشار من خلالها إلى أن للدنيا أو لمصر أو للبشرية بشكل عام، مركزا روحيا، كانت التكية من منظوره هي المكان المثالي للتعبير عن هذه المنطقة.
ابن نكتة
في آخر احتفال بعيد ميلاد لنجيب محفوظ، تجمع بعض أصدقاءه والمقربين إليه، مع وجود كاميرا التلفزيون، للاحتفال بميلاده الـ 93. كان مرحا إلى أقصى حد، كان البعض يوجه له أسئلة جادة ثم يرد بجملة قصيرة أو كلمة واحدة، تجعل أعين الحضور تدمع من الضحك.
الكاتب يوسف القعيد وجه سؤالا إلى محفوظ قائلا: “أنت عاصرت مصر منذ ثورة 1911 وحتى الآن.. شايفها إزاي؟”، ليرد ببساطة: “بتعاني”، ثم وجه القعيد سؤالا آخر قائلا “وشايف تخرج من هذه المعاناة إزاي؟”. فكّر قليلا ثم قال “أنت فكرك أنا عارف تخرج إزاي ومقولتش؟”.
يُكمل القعيد أسئلته قائلا: “لما كملت 90 سنة قالولك شايف الدنيا إزاي فقلت أغنية “عيشنا وشفنا العجب”.. دلوقتي وأنت هتكمل 93 تقول إيه؟”. رد محفوظ الذي لم يفقد سرعة بديهته للحظة وهو يُشير إلى عينيه: “مش قادر أشوف العجب”.
في نفس الاحتفال، وشوش الأديب الراحل جمال الغيطاني، محفوظ، بحديث يحمل بعض الاعتذار حول تواجد كاميرات التلفزيون التي ربما تُرهقه، وتكسر طابع تجمع الأصدقاء، ليرد ضاحكا “أنا عارف إن ده أسبوع الآلام”.
زيارة إلى مكتبة نجيب محفوظ
قدمت الإذاعية الكبيرة نادية صالح، برنامجها “زيارة إلى مكتبة فلان” وكان من المستحيل ألا يستعرض البرنامج محتويات مكتبة الأديب الكبير نجيب محفوظ، وتصادف إجراء التسجيل الإذاعي ذكره مولده في 11 ديسمبر، حيث انتهزها البرنامج فرصة للاحتفال بمولده في مكتبه بمؤسسة الأهرام.
أبدى إعجابه بالكتب العلمية، التي يقوم أصحابها بتأليفها لتُخاطب غير المختصين، لما تتميز به من بساطة في الأسلوب، سواء في الفلك أو الطبيعة أو العلوم والنباتات، وهو أمر يتسق تماما مع شخصية محفوظ التي تعتمد على البساطة.
أكد أن الكتب العلمية تحتوي على متعة أكبر من التي نجدها في الروايات، مدللا على ذلك بسلسلة تتناول حياة الحيوانات المختلفة، مضيفا: “هي في متعة القصة تماما لكن بتدي حقائق عن الحياة”، بالإضافة إلى أنها تُغني الرؤية الفنية للكاتب.
يذكر أن دار الأوبرا المصرية قد خصصت هذا الأسبوع ليكون “أسبوع أفلام نجيب محفوظ”، حيث يعُرض اليوم الأحد في سينما مسرح الهناجر فيلم “التوت والنبوت”، على أن يُعرض فيلم “السكرية” غدا الاثنين، أما الثلاثاء فسيعرض فيلم “القاهرة 30″، كما سيعرض فيلم ثرثرة فوق النيل” يوم الأربعاء، على أن يُختتم أسبوع نجيب محفوظ يوم الخميس بعض فيلم “الجوع”.