نقلا عن جريدة الفريق
مجلة «فرانس فوتبول» العريقة ابتكرت سنة 56 فكرة الكرة الذهبية التى كانت تمنح فى البداية لأفضل لاعب أوروبى، ثم عدلت اللائحة بعد ذلك كى تفتح باب الفوز بالجائزة أمام كل الأسماء التى تلعب داخل أندية القارة العجوز دون النظر لجنسيتها أو أصولها، وفى عام 2007 صار من حق كل لاعبى العالم التنافس حول اللقب الثمين، الذى لم ينله أو يرشح له حتى الآن أى نجم على ذمة فريق من خارج أوروبا.
«فيفا» أعلن مطلع التسعينيات عن عقد مسابقة سنوية مماثلة تحت عنوان الأفضل، يقوم خلالها مدربو وقائدو المنتخبات العالمية بانتخاب أحسن لاعب للموسم المنصرم، لكن هذا الأمر لاقى اعتراضات وانتقادات عنيفة نظرًا لاقتصار التصويت على فئة محدودة دون مشاركة من النقاد المتخصصين أو جمهور المتابعين، فاضطر جوزيف بلاتر إلى المسارعة بدمج الجائزين معًا سنة 2010، بعد أن توصل مع مسؤولى «فرانس فوتبول» إلى معايير توافقية لتحديد الفائز، تمثلت فى وضع قائمة تضم 23 مرشحًا يتم اختيارهم بمعرفة لجنة مستقلة تتألف من مندوبين عن جميع الاتحادات الإقليمية المعتمدة ومجموعة منتقاة من خبراء الكرة المعروفين، بالإضافة إلى نقاد المجلة ومراسليها الذين يتولون تصفية المختارين إلى ثلاثة قبيل الكشف عن ترتيبهم التصاعدى يوم 9 يناير بمدينة زيوريخ السويسرية التى تحتضن مقر «فيفا».
القائمون على أمر المطبوعة الفرنسية اكتشفوا بمرور الوقت خسارتهم الفادحة من عملية الدمج التى همشت دورهم وقلصت مكاسبهم التجارية والدعائية، لذلك قرروا الشهر قبل الماضى الانفصال بجائزتهم والعودة من جديد لتطبيق نفس قواعدهم السابقة التى ترتكز على المعطيات التالية: تشرف إدارة «فرانس فوتبول» على جميع تفاصيل المسابقة التى لا يسمح بالتصويت فيها إلا للصحفيين العاملين بالمجلة فقط.. عدد المرشحين داخل القائمة النهائية يبلغ ثلاثين لاعبًا يتم تقييمهم بدرجات وفقًا لآراء المحكمين.. تعلن النتيجة فى 13 ديسمبر على أن تشمل جميع أصحاب المراكز من الأول إلى الأخير.
«فيفا» قبل التحدى وبدأ فورًا فى إجراء تعديلات جوهرية على آلية انتقاء المتوج بجائزته المنفردة بدءًا من العام الحالى، كان أبرزها: التقييم يكون عن أداء النجم وحجم إنجازاته مع ناديه وفريق بلاده خلال الفترة من 20 نوفمبر 2015 حتى 22 نوفمبر 2016.. هيئة التحكيم تتكون من المدراء الفنيين وقائدى كل المنتخبات الوطنية، مضافًا إليهم كاتب صحفى من كل دولة، وكذلك أفراد الجمهور الذين يمتلكون حسابًا على الموقع الرسمى للاتحاد الدولى…توزع القيمة الإجمالية للتصويت بنسب متساوية بين الجهات الأربع دون النظر لعدد المصوتين فى كل منها.. يحدد الفائز طبقًا لمجموع النقاط المئوية التى حصل عليها من كل جهة على حدة.. حالة التعادل بين لاعبين يحسمها الرجوع إلى عدد مرات حصول كل منهما على المركز الأول والثانى فى ترشيحات المدربين والكباتن والصحفيين، فإذا استمر التساوى يقسم اللقب بينهما.
أسباب عديدة ومتنوعة تدعونى للاعتقاد أن جائزة الاتحاد الدولى ستكون أكثر أهمية ومصداقية من نظريتها الفرنسية.. سأستعرض معكم بعضها على سبيل المثال لا الحصر:
أولاً: مؤسسة «فيفا» هى المسؤول الرسمى الأول عن اللعبة والمتحكم الرئيسى فى كل مقدراتها، لذلك يحرص الجميع على التواصل معها والوجود داخل مختلف الفاعليات التى تنظمها، أما «فرانس فوتبول» فليست سوى مجرد مجلة مطبوعة وموقع إلكترونى لا يزيد عدد متابعيه على 2 مليون شخص، يمثلون نسبة ضئيلة من مجمل عشاق الساحرة المستديرة المنتشرين فى شتى بقاع الأرض.
ثانيًا: نظام «فيفا» الجديد فى عملية الاختيار سيسمح بمشاركة كل الأطياف المهتمة برياضة كرة القدم، وبالتالى سيتحقق مبدأ تنوع وجهات النظر الذى سيقنع الرأى العام العالمى بتقبل النتيجة مهما كانت، فى حين ستعود «فرانس فوتبول» للأعتماد على تصويت قطاع واحد يعمل لديها ويتبع سياستها التحريرية، مما سيخلق دائمًا نوعًا من الشكوك حول قيمة الجائزة ومدى أحقية المتوج بها.
ثالثًا: «فيفا» يملك أحدث التقنيات الفنية والتكنولوجية التى ستتحكم فى نزاهة الاقتراع الجماهيرى، وستضمن عدم إدلاء المشجع بصوته أكثر من مرة، خلافًا لما حدث منذ أسابيع قليلة مع المجلة الفرنسية، التى قامت بتجربة استطلاع رأى حول هوية الفائز المحتمل، فاقتحم الجزائريون الموقع واستخدموا حيلاً ماكرة من أجل تكرار التصويت لصالح رياض محرز، الذى تصدر جدول المرشحين بالغش والتزوير.
رابعًا: الحفل الأسطورى الذى يقيمه الاتحاد الدولى للإعلان عن صاحب الكرة الذهبية أصبح جزءًا لا يتجزأ من بروتوكول الجائزة، وصار يضاهى فى الفخامة ونسبة المشاهدة الاحتفالية الكبرى لتسليم أوسكار السينما، لكن «فرانس فوتبول» لا تقدر على توفير مثل هذه الأجواء باهظة التكاليف، لذا تكتفى بنشر صورة النجم المتوج بجائزتها على الغلاف وإجراء حوار مطول معه داخل العدد التذكارى.
خامسًا: مجلة «فرانس فوتبول» تصدر فقط باللغة الفرنسية ولم تبدأ خطوات مواكبة عصر الإنترنت إلا مؤخرًا، مما جعلها تتخلف عن الوجود ضمن قائمة أهم وأقوى المواقع الإلكترونية المؤثرة على ساحة الرياضة الدولية، بينما تجيد مؤسسة «فيفا» التحدث بكل الألسن وترتبط بعلاقات وطيدة مع مختلف الشعوب التى تسعى دومًا لكسب ود هذا الكيان العملاق ذى النفوذ الواسع والقدرات الهائلة.
سادسًا: ميزان القوى الإعلامية والدعائية اللازمة لترويج هذه الجائزة العالمية يميل بوضوح شديد نحو مؤسسة «فيفا» التى تمتلك الحقوق الحصرية لإذاعة كل بطولاتها الكروية، ويرتبط اسمها بجميع المباريات الودية والرسمية. عدد متابعى صفحات التواصل الاجتماعى الخاصة بتلك المؤسسة يبلغ نحو 12 مليون شخص، وعدد من اشتروا لعبة «فيفا 2016» يزيد على ثلاثة أضعاف قراء جريدة وموقع «فرانس فوتبول».