كنت أفكر فى المبادرة الذكية التى أعلنها الصديق المخرج الكبير عمر زهران، والتى دعا فيها الى أن يقوم الأزهر الشريف بإعادة بناء الكنيسة البطرسية على نفقته الخاصة، بعد أن هدمها ارهابى ضال بعملية انتحارية منحطة، أراد عمر أن يبادر الأزهر الى التبرع للبناء ليؤكد للعالم أن مصر لا تعرف فرقا بين مسلم ومسيحى، وها هى المؤسسة الاسلامية الأولى فى العالم تبنى الكنيسة، وقبل أن أتخيل رد فعل الأزهر، وهل يمكن أن يقبل شيوخه القيام بهذا الدور أم يمتنعون عنه، فوجئت أن الكنيسة فتحت حسابا بنكيا تتلقى فيه التبرعات لترميم الكنيسة الأثرية وإعادة بهاءها اليها ( الحساب رقمه 01041406981 ) .
ما أثق فيه أن الكنيسة عندما قررت فتح حسابها البنكى للتبرع لم تتخيل أن هناك مسلمين يمكن أن يتبرعوا، ربما اعتقادا منها أن ركام الفتاوى البائسة التى تحرم التبرع لبناء الكنائس سيحول دون وصول مليم واحد من جيب مسلم لهذا الحساب، فإذا كان هناك من يحرم أن نطلق على من لقوا ربهم فى حادث البطرسية الغادر شهداء، فهل يمكن أن يسمحوا دينيا أن يتبرع مسلم لبناء الكنيسة التى تهدمت.
هذا اختبار حقيقى ليس للمواطنة فى مصر، ولكن للإنسانية فينا، لقد اجتهدنا جميعا للتأكيد على أن من ارتقوا فى سلم الشهادة صباح الأحد ١١ ديسمبر ٢٠١٦ مصريون، فكلنا فى معركة الارهاب واحد، فالارهابى لا يفرق كثيرا بين مسلم ومسيحى، كتبنا وتحدثنا وأصدرنا البيانات وتسابقت البرامج والصحف لتأكيد هذا المعنى، وبقى أن يتحول الكلام الى فعل، أن توافق تصرفاتنا ما أزعجنا به العالم من خطب رنانة وكلمات رثاء حزينة وعبارات تؤكد التلاحم والتوافق.
لو أردنا التأكيد على أننا مجتمع سليم، فلا أقل من التبرع جميعا لترميم هذه الكنيسة التى ستظل شاهدة على خسة وندالة وانحطاط الإرهاب والارهابيين، لو أردنا الرد العملى على الارهاب فلا أقل من أن نتكاتف جميعا لإعادة بناء الكنيسة، فى هذا تحدى عملى لمن يريدون تخريب هذا الوطن، فكلما هدموا سارعنا نحن بالبناء، لا فرق لدينا بين مسجد وكنيسة.
لقد ظللنا لسنوات طويلة نتجاوب مع من يقفون فى الشوارع والميادين يطلبون التبرع لبناء مسجد الذى هو بيت الله، كنا ندفع دون أن نعرف الى أين تذهب أموالنا، وهل كانت تذهب لبناء المسجد فعليا، أم تذهب الى تمويل الجماعات الإرهابية، فهم قتلونا كثيرا بأموالنا.
الكنيسة أيضاً بيت الله، وقد تعرضت لعدوان باسم الله، ولن يرضيه أبدا أن ينتهك اسمه، فلا أقل من أن نجتمع على قلب رجل واحد لإزالة هذه الإساءة عن وجه الله الكريم العادل الذى يحب كل من يسعون اليه طالبين رضاه.
لا تلتفتوا للفتاوى الدينية المنحطة، الأمر يحتاج الآن الى فتوى وطنية، والوطنية تقتضى أن نكون صفا واحدا، ليس بالكلام الإنشائى العقيم، ولا بالبيانات الفصيحة التى لن تقدم ولا تؤخر، ولكن بفعل يؤكد أننا جميعا نرفض التخريب والدمار، ضعوا الوطن فى قلوبكم، وتبرعوا جميعا لبناء الكنيسة وبأقصى سرعة، قولوا لمن أراد خرابا أننا دعاة بناء.
لا أتجاوز بما أقوله مبادرة الصديق عمر زهران، ولكنى أضيف اليها، أدعو شيخ الأزهر الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب أن يتوجه بنفسه الى أقرب بنك ليتبرع لبناء الكنيسة ، كما أدعو الجميع صغارا وكبارا أن يتبرعوا، تبرعوا بما تقدرون عليه، فالمعنى هنا أكبر وأعمق وأجدى… تبرعوا لبناء الكنيسة لتهزموا الارهاب، قولوا له لن تغلبنا أبدا، وكلما هدمت بيتا لله أعدناه.