فى استجواب سأله المحقق الإسرائيلى لماذا تسرقنا بعد أن سمحنا لك أنت وأبوك بالعمل داخل أرضنا فأجابه: وأنتم ألم تسرقوا الأرض كلها؟
لا يمكن سوى أن تفرض عليك القضية الفلسطينية ومنذ عام النكبة 1948 نفسها حتى وأنت تتابع لص سيارات يسرق وينهب إسرائيليين ويتاجر بعدها فى بيع السيارة خردة، الفعل ليس له أى علاقة بالنضال ولكنها سرقة للاتجار، بطل الفيلم موسى يدخل إسرائيل للعمل فى أعمال البناء، ولا يمكن أن تتعاطف مع السارق إلا فى ظل شروط درامية قاهرة ومقننة لأن هذا الفعل يخصم الكثير من إحساسك الإيجابى تجاه القضية برمتها، وكانت هذه هى تحديدا المعضلة التى لم يستطع مخرج فيلم الحب والسرقة ومشاكل أخرى تجاوزها.
فلسطين تدخل فى نسيج الفيلم مباشرة أردت أم تجاهلت أو حاولت أن تعتبره فيلما كوميديا أو بوليسيا، على الرغم مما فيه من عنف ومطاردات ودماء وقتل وجنس وضحك، فإن القراءة السياسية حاضرة وبقوة وتفرض نفسها على المشهد. مخرج الفيلم الفلسطينى مياد اليان والذى يشارك بفيلمه الروائى الطويل الأول فى قسم بانوراما، يحاول أن يدمج كل ذلك فى خلطة واحدة ويمهد جريمة القتل فى محاولة بائسة بأن لا تتعاطف كمشاهد مع المقتول، وهو الزوج الذى تخونه زوجته مع بطل الفيلم، وعليك أن تُدرك أن ثمرة الحب طفلة نحن نعرف أنها ابنة العشيق، بينما نرى الزوج المخدوع دائم الحنو عليها معتقدا أنها ابنته الوحيدة والأثيرة، المخرج لم ينس أن يمنح البطل بين الحين والآخر لمسات إنسانية فى لقاءاته العابرة مع فلسطينيين مثل تلك السيدة العجوز الضريرة التى يلتقيها فى أثناء هروبه من المطاردات الإسرائيلية الفلسطينية معا، فهو مطلوب من الجانبين.
هل من الممكن أن يصنع الإنسان فى أثناء معايشة العمل الفنى تلك المسافة الوهمية بين منهجين مختلفين، أشك كثيرًا فى إمكانية حدوث ذلك على المستوى النفسى، ولهذا مثلًا يحرص الفيلم الكوميدى فى بنائه حتى لو تخللته مشاهد قتل على أن لا يصل إلى العنف، وأن يحول بينك وبين التعاطف مع المقتول لتظل بينك وبينه مسافة شعورية باردة، كما أن الدماء غالبا يتم تجنبها. السيناريو لم يضع أبدا أمامه شيئا من ذلك، ورغم ذلك فإننا يجب أن نعترف أن السينما الفلسطينية هى صاحبة الحضور الأكبر فى أغلب المهرجانات. وهى بطبعها متعددة التوجه والمشارب، نعم كثيرًا ما وجدت المخرج الفلسطينى سواء فى الشتات أو رام الله أو غزة وهو يشارك بفيلمه فى مهرجان عالمى مثل كان أو فينسيا أو برلين بينما تغيب أغلب الدول العربية.
لننتقل إلى فيلم الحب والسرقة ومشاكل أخرى عنوان طويل كان من الممكن اختصاره. الفيلم يقدم مزيجًا من الملامح السلبية للشخصية الفلسطينية، ولكنه يحرص على تخفيف الوطأة النفسية على المتلقى بمنحها بين الحين والآخر مذاقا ساخرا، تشعر أن الهم الفلسطينى حاضر وبقوة وفى مقدمة الكادر ولكن أيضا الشخصية الرئيسية تحمل الكثير من السلبيات. إنه صراع من أجل البقاء، تفاصيل الحياة تفرض نفسها بقوة فى تلك المعادلة المخرج مياد اليان ذهب إلى حالة بعيدة تماما عما ألفناه وتعودنا عليه فى تناول النضال الفلسطينى، ولكن لا صدقت المناضل ولا الخيانة ولا القتل، كل شىء يحاول أن يبحث له عن نكتة تسنده أو قفشة لتغيير الإحساس النفسى.
ما الذى من الممكن أن تلحظه فى فيلم حب وسرقة ؟ النضال ليس نقيا تماما شخصية البطل الشفاف بلا شوائب إنسانية لم تعد أبدًا حاضرة فى الكادر ، لأن الخيانة والغيرة يشغلان الكادر، أما التضحية والإيثار ودفع ثمن تحرر الوطن فلم تعد سوى صفات أسطورية. المخرج مياد يبدو غير متعاطف مع الشخصية الرئيسية التى رأيناها فى حالة ضعف إنسانى ونفسى، الفيلم يتابع سارق السيارة الذى نكتشف أن بها الأسير الإسرائيلى يصبح هو الصفقة، الجهازان الأمنيان الفلسطينى والإسرائيلى لديهما مصلحة بالطبع فى العثور عليه، عندما يكتشف البطل ذلك يبدأ فى البكاء الهيستيرى، القضية مزدوجة فى تناقضها، هناك أيضا الفلسطينى المناضل ولكنه يبدو كزعيم عصابة من هؤلاء الذين كنا نشاهدهم فى سينما الخمسينيات المصرية ولديه صبيانه فيتولون هم البحث عن سارق العربة التى تحمل الجندى الإسرائيلى والكل يترقب ويتابع هذا الحدث الجلل، وبينما بطل الفيلم يسعى للسفر إلى إيطاليا لاعبًا للكرة ويستغله أيضا فلسطينى آخر، الكل مدان حتى أبيه نكتشف أنه لص سيارات سابق. ثمن الصفقة بضعة آلاف من الدولارات يحتاج إليها ويقف حائرًا بين صفقتين واحدة يقدمها له الإسرائيليون والأخرى الفلسطينيون، ويختار الجانب الفلسطينى، رغم تهديدات إسرائيل بفضح علاقته مع زوجة فلسطينية أنجب منها طفلة يعتقد الزوج المخدوع أنها ابنته، لا ينسى المخرج الكوميديا الفجة بتلك الثلاثية زوج وزوجة فوق السرير وعشيق تحت السرير ولا يكتفى بهذا القدر، بل يُدخل الطفلة فى تلك الدائرة، فيفسد المشهد وبمنتهى السذاجة تُطلق الزوجة النار على زوجها بعد أن فضح أمرها وتذهب إلى الشرطة الإسرائيلية التى تعلم بالطبع كل التفاصيل، مدعية هى وعشيقها أن لصًا حاول السرقة ثم أطلق النيران على زوجها، بينما نتابع على الشاشة عشرات الأسرى الفلسطينيين يخرجون بعد نجاح الصفقة مع إسرائيل. أنا لا أحاكم الفيلم ولا شخصياته أخلاقيا، ولكنه أخفق فى ميزان الدراما، عندما أضاع كل شىء بسبب إصراره على تقديم فيلم سمك لبن تمر هندى !!
نقلا عن “التحرير”
قرأ ايضا
طارق الشناوي : عمرو والهروب الكبير!