إذا كنت مسافراً خارج البلاد فإنك تبحث عن اي خيط أو سطر يكتب أو كلمة تقال عن بلدك الذي تشتاق إليه فتجد حال إعلام وطنك وقد تبدل وتغير. وسرعان ما تقع في حيرة من أمرك ألم تكن تلك الجريدة معارضة ؟ وألم تكن تلك الفضائية مؤيدة؟ أو لم يكن هذا في هذا الخندق دائماً وهذه في تلك المجموعة.
تجد أن من كان في درب أولئك أو من يسلك مسلك هؤلاء لم يعودوا كما كانوا ولكن الخريطة قد تغيرت، وحقيقة الأمر أن الأمر برمته أصابه “الحراك” -مصطلح جديد أضافه خبير استراتيجي- لكن في نهاية الأمر عندما تعود إلى أرض الوطن تجد أن الإعلام وقد انقسم إلى فسطاطين فسطاط مؤيد وآخر معارض كلاهما متطرف في عرض وجهة نظره والتي تخلوا من أي وجاهة أو منطق.
تنشغل وسائل اعلامنا بقولبتك وتصنيفك وتصفيفك (وضعك في صف ما) وتبث أفكارها بشكل مكثف كالمضاد الحيوي برسائل يمكن ان تترجمها على النحو التالي:
عارض ما أنت إلا شخص عارض
عارض عارض فأنت معارض لكل شيئ ولأي شيء وما من شيئ يجعلك راضي.
عارض عارض لتكون مختلف لمجرد أن تكون مختلف ولا يعني هذا بالضرورة أن لديك أسباباً وجيهة لما تعترض عليه.
عارض عارض واسخط وارفض واشجب ولا تقترح حلولاً عملية، وإن اقترحت اقترح حلولاً خيالية.
عارض عارض في أتفه الأمور أما ثقالها فليس بذي شأن لديك أو كما قال المثل الدارج “تعالى في الهايفة واتصدر”.
عارض عارض وإن كان شيء ما ايجابيا تخيله بشكل سلبي وابني على هذا النظريات والشعارات والمواقف.
عارض عارض واسحب ورائك من لا علم ولا تفكير لهم وإنما هم من يقيمون لك وزناً لأنك تنكأ بكلماتك الحارة جروحاً غائرة لديهم ساهمت أنت وغيرك في صنعها عندما لم تعارض في الاتجاه السليم أو في الوقت السليم.
عارض عارض واسكب بنزيناً على اللهب لتستعر النار فتحرق كل ما حولك وحولنا ولتكون انت نيرون العصر والآوان
عارض عارض وأملأ الدنيا صراخاً بهذيان لا أصل له واختلق الأسباب، وضع التوابل، واخترع الحكايات المخفية فأنت وحدك العالم ببواطن الأمور وكيف تدار القرارات.
عارض عارض وأدّعى لحزبك أو لمجموعتك أو لنفسك ثقلاُ غير موجود، لمجرد أن تشتهر بين الناس بأنك وطني وبأنك مناضل من أجل قضية – وليس مهماً ما هي القضية !
عارض عارض حتى نفسك في المرآة وانتقد شكلك الذي ليس بإمكانك تكوينه أو تعديله انتقد طولك وسواد عينيك وتجعيد شعرك فأنت غير راض حتى عن لون جلدك
عارض عارض فأنت معارض هذا هو حال بعض من المعارضين في أي زمان وتحت أي حكم فلا يقنعهم أي قرار أو توجه تتخذه السلطة أياً كانت. فلا الحكم القومي ولا الليبرالي ولا المتأسلم ولا الحكم العسكري نجوا من معارضتهم ولا تأويلهم لكل قرار بشكل يخالف المنطق والطبيعة وكثير منهم يؤمن بأنه يعيش ليعارض – أنا اعترض فأنا موجود – وإن لم يعارض فهو ليس إلا مجرد شخص عارض.
أيّد، ساند ما انت إلا شخص بائد
أيّد ساند ما قال فلان وما لم يقله لا يهم فإنت في نهاية الأمر شخص بائد،
أيّد ساند ما اخترعه مُنتفعي فلان أو مٌريدي علّان من اتجاهات وتوجهات – وهمية في أغلب الأمر- لا لشيء سوى للتقرب والتزلف إلي الزعيم الملهم
أيّد ساند ودافع عن أفكار انت غير مقتنع بها من الأساس ولا تفهم محتواها ولكن رددها كما الببغاء بلا فهم، لا يهم فأنت شخص بائد
أيّد ساند كل ما قال الزعيم أي زعيم وإن قال كفراً – لا يهم فإنت شخص بأئد
أيّد ساند كل من يهاجم المخالفين في الرأي دونما تفكير في سماع وجهة النظر الأخرى – لا يهم فإنت شخص بائد.
أيّد ساند الأفكار الخيالية والغيبيات التي يروجها عديمي الرؤية عن الزعيم الملهم والقائد المظفر – أي زعيم أو أي قائد- لا يهم فأنت شخص بائد
أيّد ساند أحلام البسطاء التي ستدعي بأن من تسانده سيحققها بمجرد وصوله للسلطة- لا يهم فأنت شخص بائد
أيّد ساند كل مهرجانات الترويج والتهليل والمزايدة – لايهم فأنت مجرد شخص بائد
كل من يؤيد ويساند بلا وعي وبلا تفكير إلا في تحقيق هدف وصول من يراه زعيماً ملهماً أو تياراً مفعماً بالإيجابيات يحب عليه أن يعرف أنه في نهاية المطاف ما هو إلا كمالة عدد أو واحد من الآحاد التي تضاف إلى العداد وقد يكون من الأصفار في بعض الأحيان.
لكل مؤيد بلا تفكير ومساند بلا تمييز إعلم أن الأمر لا يهم فأنت شخص بائد.
محمد أبو مندور: (طرق مصر).. يرصد، يعرض، يسخر، ويُبكي
محمد أبو مندور: أسمع كلامك أصدقك، وأسمع برامجك استغرب!
محمد أبومندور: ليت قومي يقرأون