خالد البرماوي
لماذا يجب على وسائل الاعلام المحترفة تطبيق قواعد الصحافة الجيدة، من محتوى دقيق وصادق ومتوازن موضوعي؟
إذا لم يكن الأمر من قبيل تطبيق المعايير المهنية+الأخلاقية، فليكن هذا المرة من باب الالتزام التجاري، الذي يخضع لمنطق نفعي بحت، لا يعرف غير الربح والخسارة، والبقاء أو الاختفاء، وهذا ينطبق كل المشروعات الإعلامية، حتى تلك التي تنطلق من أجندة سياسية خالصة.
مصطلح “الصحافة الجيدة Good Journalism”، والتي تعنى ببساطة الالتزام بالمعايير المهنية الاحترافية المتفق عليها في هذه الصناعة، ورغم أن اللفظ ليس جديد ، ولكنه بدأ مؤخرا يكتسب أهمية خاصة بفضل التغيرات الجذرية التي تحدث في صناعة الصحافة كمهنة، نتيجة التغير الثوري الذي حاصل بالفعل في صناعة الإعلام كموصل للعمل الصحفي. ( المزيد عن الصحافة الجيدة من هنا)
دعونا نكون صرحاء لأقصى حد.
نصف-على الأقل- لعبة الإعلام حاليًا تعتمد على الأدوات والتقنيات وأساليب التسويق الرقمية.
ضع الإعلام في مواجهة فيسبوك أو جوجل من يكسب المعركة التكنولوجية؟
في الحقيقة لا يمكن أخذ هذا السؤال على محمل الجد، القضية محسومة لصالحهما، هذان العملاقان يسيطران فعليا على محتوى الإنترنت، ويتحكمان في مصير حركة المعلومات على الشبكة العنكبوتية؛ وهذا لا يعنى الاستسلام أبدًا أبدًا، ولكن يجب أن نقر أن المواجهة فعلا صعبة في مرحلتها الحالية.
ثم ضع محتوى الإعلام المحترف الذي يقدم الآن Vs. المحتوى الذي يقدمه الناس سواء بنسخته المنقحة UGC أو غير المنقحة CGC، هل ترى في 99% مما يقدم الآن اختلاف جوهري يدفع الجمهور لبذل المال مقابل ما نقدمه؟!
ثم من ناحية السرعة، قل لي كم عدد الصحفيين المحترفين في العالم؟ مليون واحد، 10 ملايين، 20 مليون.. على الإنترنت هناك 3.4 مليار شخص، أي أكثر من نصف سكان الأرض، وأكثر من ثلثي هذا العدد 2.4 مليار لديهم حسابات على سوشيال ميديا.
فمن أقرب للأحداث؟ الصحفيين أم الناس؟ ولا تنسى أن الهواتف الذكية أصبحت في متناول الجميع تقريبًا، وهوس التصوير والمشاركة والتفاعل والنجومية على سوشيال ميديا يجتاح العالم، الكل يريد أن يظهر، الكل يريد أن يبرز، الكل يريد أن يشتهر!
أنظر لما يحدث في سوريا والعراق واليمن، وما حدث في مصر وتونس، أغلب تلك الأحداث نقلت عبر محتوى قادم من الجمهور، ثم أخذه الإعلام المحترف وبنى عليه قصصه وأضافه له من واقع خبرته واحترافيته.
أقرب وأقوى مثال الانتخابات الأمريكية الأخيرة، هل ينكر أحد الدور الرئيسي للإعلام الاجتماعي، والذي فرض نفسه وأدواته وقواعده على الإعلام التقليدي، هذا حدث في السوق الذي يوجد به أكبر منظومة إعلامية محترفة في العالم.
ولماذا نذهب بعيدًا، أنظر لبرامج “توك شو” في مصر، أغلب القصص والموضوعات أو ردود الأفعال تأتي من سوشيال ميديا، أو أنها لا تكتسب قوتها وزخمها إلا بعد أن تصل للسوشيال ميديا.
لسنا بصدد تقييم، ولا بصدد رصد الايجابي والسلبي، نحن معنيين بالأساس برصد الواقع بدقة، ومناقشة ما يتعلق بمستقبل صناعة الصحافة المحترفة في مصر والعالم.
ثم من ناحية الكم، كل ما تقدمه وسائل الإعلام المحترفة في العالم مقارنة بما تفرزه شبكات التواصل الاجتماعي لا تمثل 1/10000، حسب احصاءات تعود لعامين مضوا.
وكل دقيقة، حسب إحصاءات 2014: يتم رفع محتوى يمثل 72 ساعة على يوتيوب، وتتم 4 ملايين عملية بحث، وإجراء 2.4 عملية مشاركة لمحتوى على فيسب بوك، وبث 277 ألف تغريدة، ورفع 216 صورة على إنستجرام، وإرسال 204 مليون إيميل، وتبادل 347 ألف صورة على واتس آب.
لاحظ أن هذا معدل يحدث في الدقيقة الواحدة، وبالتأكيد هذه الأرقام تضاعفت الآن.
ومن ناحية الجودة؟.. تمامًا، هذا ما يوصلنا لصلب المشكلة والحل، وهي: “الصحافة الجيدة”.
وهنا يجب أن نتوقف كثيرا، لأنه تقريبًا تقريبًا، هذه هي الميزة النسبية الأكبر المتبقية للصحافة، فلو فقدت الصحافة ميزة المحتوى الجيد والدقيق الذي يعزز المصداقية ويبنى الثقة، فما الذي يبقى للصحافة المحترفة لكي تنافس به، وتوجد زريعة لبقائها، وسببا لكي يهتم الناس بما تقدمه من محتوى، فضلا عن أن يدفعوا مقابل ذلك لها ؟؟؟
من أهم عناصر تقييم المحتوى:
– السرعة
– الوفرة أو الكم
– الأدوات أو لنقل التكنولوجيا
– الجودة.
والأخير عنصر يكتسب الكثير من زخمه بقدرته على التعامل والتفاعل مع العناصر الثلاثة الأولى، ولكن تبقى الدقة والمهنية والابداع والابتكار والموهبة والدراسة والتدريب وفريق العمل جوهر الصحافة الجيدة أو لنقل الصحافة المحترفة.
لم يعد هناك خيارات كثيرا، فالحقيقة التي يجب مواجهتها بشجاعة، أن المحتوى الخبري الذي احتكرته تقريبا الصحافة المحترفة طوال الثلاثة قرون الماضية، أصبح محل تنازع مع الكثير من الأطراف.
لن نقول أنه اختطف، ولكنه تقريبا أختفى من الصحف الورقية، فمن العاقل الذي ينشر محتوى بث وشبع بثا من 12 أو 24 ساعة، من يفعل ذلك ؟!
وما عدا دول قليلة جدا ولها أسبابها الخاصة، مازالت تنتعش بها الصحافة الورقية الخبرية مثل شبه القارة الهندية، غير ذلك، تعانى أسواق الصحافة المطبوعة في العالم من معدلات انحصار للتوزيع وعزوف الناس خاصة من فئة الشباب أقل من 35 سنة عن شراء المطبوعات.
ووفقا لمعايير التقييم الأربعة السابقة، على كل مؤسسة إعلامية أن تكتشف مصيرها، وتختار أولوياتها، ما العنصر الذي سيكون بالنسبة لها رقم 1، ورقم 2، وهكذا.
حتى إذا جاء فريق العمل التحريري ليطبخ محتواه، كانت الرؤية بالنسبة له واضحة، ومساحات خيارته منظمة وتجيب على السؤال الرئيسي، هل يبقي على عنصر الجودة قبل السرعة والكم، أم بعدهما.
وبناء على قدرة المؤسسات على استيعاب هذه المنظومة وتطبيقها ومراقبتها، ستتحكم تلك المؤسسات بصورة كبيرة في الصورة الذهنية التي تريد طبعها لدى جمهورها.
في العدد القادم، سنتحدث أكثر بصورة عملية على كيفية تطبيق الصحافة الجيدة في عصر ما بعد الخبر المطبوع، وعلى عملية زرع الثقة بين الإعلام وجمهوره، كخيار استراتيجي واقتصادي، فضلا عن كونه مهني.
للاشتراك في نشرة المنتدى من هنا
للاشتراك في صفحة المنتدى على الفيس بوك من هنا