مع مرور كل ساعة على فاجعة استاد الدفاع الجوي، يخرج لنا عشرات الفيديوهات والصور التي توثق أحداث المآساة. فيديوهات من كل الزوايا، لكل تفصيلة في الحدث، تجعل من مؤامرات تشويه صورة مصر في حضور بوتين وفتح باب الترشح للبرلمان مزحات ساذجة، لن يصدقها سوى من يؤمن بأن التبرير لأخطاء الدولة واجب وطني.
وضعت تلك الفيديوهات الكل في حرج، بداية بلاعبو الزمالك ومجلس الإدارة الذين أدعوا عدم علهم بالكارثة قبل المبارة بينما اثبتت الفيديوهات كذبهم، وحتى الإعلاميين الذين أسرعوا بالترويج لنظريات المؤامرة قبل أن يبرد دم الشهداء، متهمين 6 أبريل والإخوان، ثم المخابرات القطرية والتركية والأمريكية والإسرائيلية بتدبير الواقعة. إعلاميين كبار مملوكين للأجهزة الأمنية، قالوا كل شىء وأي شىء فقط لينفوا تهمة التقصير – في أحسن الأحوال- عن من أطلق الغاز ووضع الجمهور في قفص حديدي.
من الواضح إن الدولة ومؤيديها مازلوا لا يدركون الزمن الذي نعيشه، يبذلون جهدا كبيرا ومليارات من الأموال للسيطرة على الرأي العام، ليقدموا إعلاما “مستقلا” لكنه لا يقل تأييدا للدولة عن إعلامها الحكومي. لقد تغيرت مفردات العصر، تجاوزنا عصر احتكار الحقيقة والتعتيم والتشويش على القنوات و”بص العصفورة”. لا يمكن محاربة الزمن مهما لهثتم خلفه، لم يعد ذلك ممكن. حتى محاولات مواكبة العصر، وإنشاء اللجان الإلكترونية سواء المدارة من قبل أجهزة أمنية أو تابعة لرجال أعمال وصحفيين مقربين من الدولة، كل هذا يصنف كمسكنات، لكنه لن يكون أبدا حل لإخفاء الحقائق، لإن تلك المنظومة التي ينفق عليها مليارات كل عام تنهار بمنتهى السهولة أمام فيديو مصور بواسطة موبايل صيني لا يتجاوز ثمنه مئات الجنيهات.
ما الذي تحصده الدولة من استمرار تلك العقلية منتهية الصلاحية؟ من محاولات الإعلاميين الدفاع عن داخليتها التي صارت تسبب للمجتمع من الاحتقان والغضب ما يكاد يتقرب من حاجة المجتمع للأمن الذي توفره لهم. إن ذلك النهج العتيق والعقلية الأمنية البالية يضاعف عدم إيمان المواطن بدولته، يقوي قناعته بأن الداخلية تفعل وستفعل ما تشاء دون أن تحاسب، أن روحه ستكون بلا تمن لو وقع ضحية الداخلية ولو على سبيل الخطأ. إن الاستمرار في التعامل مع القضية بهذا الشكل يقضي على محاولات الدولة لعودة الأمن والاستقرار والاستثمار. إن كانت البلد “فعلا” تتعرض لمؤامرات خارجية، وتريد دعم الشعب للقضاء على الإرهاب والتكاتف في هذه اللحظة الحرجة، في إن عليهم أولا أن يراعوا هم اللحظة الحرجة التي يعيشها الوطن.
كم مرة في اليوم نقرأ ونشاهد بأعينا تجاوزات الداخلية مع المواطنين، دون أن يعاقب رجل شرطة واحد، منذ إندلاع ثورة يناير وما قبلها، ومرورا بسلسلة مؤلمة من الكوارث وحتى هذه اللحظة، دون أن نشعر لمرة أن العدالة أخذت مجراها وإن الداخلية التي من المفترض أن تطبق القانون ليست فوق القانون؟ للأسف الإجابة “صفر”! هل تتذكروا صياد العيون، الشهير بـ”جدع يا باشا”؟ ماذا تعلمت الداخلية من هذا الدرس؟ أن يرتدي ضابطها أقنعة حتى لا يتعرف عليهم أحد!
نحن لا نطالب بهدم الداخلية، ولا ندعي أن الجهاز الأمني بلا شرفاء.. لكننا للمرة المليون نصرخ مطالبين بأن يتم تغير نهج التعامل مع المواطنين، بأن يكون للمواطن أولوية الحماية والتأمين قبل منشآت الدولة وهيبتها. وقتها لن تكون الحرب على الإرهاب بهذه الصعوبة، ولن يكون المواطنين الشرفاء بلطجية مأجورين أو مواطنين مصابين بهلع المؤامرات بفضل الإعلام، سيكون المواطنين الشرفاء فعلا حماية وغطاء لداخليتهم.. هذا يحدث فقط عندما تكون داخليتهم هم، وليست داخلية الحكومة.
اقرأ أيضًا:
كريم الدجوي :كيف لا نكون الخاسر الأكبر؟
كريم الدجوي : عن الدي جي أحمد زوؤلة الذي لم تقتله الداخلية
كريم الدجوي: السبكي وفيفي ومحمد رمضان.. واللي مالهمش دية!
كريم الدجوي: بورما وتشارلي إبدو وعلي جمعة!