بكفين رسم الشقاء عليهما خطوطه وشقوقه، صرخ ذلك الفلاح بقامته المهدودة والمحنية:
«حراااااااااااام»
موجهاً إلينا سيلاً من اللوم المغلف بالعتاب أحياناً والبكاء أحياناً أخرى، معتبراً أن من يطل على الناس عبر شاشة التلفاز أو يطل عبر صحيفة بمقال يكتبه هو صاحب سلطة، أو أنه مقرب من صناع القرار، لكن فى المحصلة هذا ما يعتقده الفلاح البسيط تجاه طبقة الأفندية أو سكان البنادر منذ عهود قديمة.
صرخة هذا الفلاح المستجير لا أملك إلا أن أرفعها إلى سيادة الرئيس، ولعلنى بادرت بأن أشرح كثيراً لأهلى من الفلاحين أثناء حضورى وبعض الأصدقاء من الكتاب مؤتمراً جماهيرياً فى الشرقية أوضح لهم أن هناك وزيراً للزراعة وآخر للرى يمكن أن نوجه لهما اللوم، وأن الرئيس يصنع سياسات عامة، وهناك من ينفذها، ولكن فطنة الفلاح البسيط كانت هى الراجحة.
«كبير البيت هو الذى ترفع إليه الشكوى ويوجه إليه اللوم، وتعلق عليه الآمال»، وأعترف أننى سأجتهد قدر الإمكان لأكون على مستوى فصاحة ذلك الفلاح المستجير فى صياغة شكواه فهو يقول:
كنت طفلاً صغيراً حين استلم أبى عقد تمليك وزعه عبدالناصر بعد ثورة 52 ليحولنا من عبيد عند الباشا إلى ملاك أراضٍ وأصحاب طين، فرحنا بأرضنا، لكن مع الوقت وزيادة الأبناء والأحفاد تفتت الأرض وشح الرزق وازدادت المعاناة.
وكنت شاباً وأنا أقف فى مؤتمر شبيه بمؤتمركم هذا أيام السادات وحال الفلاح قد تعثر وازداد سوءاً، ومرت سنوات مبارك العجاف واهتم برجال أعماله، بل باعنا بالقطعة إليهم وتحولنا من حيطة «مايلة» إلى حذاء قديم فى أرجل من حكمنا، وتحولنا من عبيد فى أراضى الباشوات قبل 52 إلى عبيد عند مدير الجمعية الزراعية وبنك التسليف الزراعى ووزير الزراعة.
ولما انطلقت شرارة الثورة فى ميادين مصر لم نتأخر دقيقة فى مؤازرتها والانضمام إليها، ونحن نعلم أننا الأصل، أننا نمثل أكثر من نصف عدد سكان مصر 51 مليون فلاح مصرى، ونصف المجتمع الآخر خرج من أصلابنا، أى أن المجتمع المصرى كله فلاحون.
ونجحت ثورة 25 يناير وفرحنا بشعاراتها: «عيش حرية عدالة اجتماعية»، ثم جاء من سرقها وشوه شعاراتها ووعدنا وأخلف وعده، فتحرك المجتمع وكنا كما كنا دائماً الفئة المرجحة، فانحزنا إلى ثورة 30 يونيو وأزحنا مرسى ونظامه الذى لا يشبهنا وفرحنا أكثر «بك» ورأينا فيك عبدالناصر جديداً بإحساسه بنا، ورأينا فيك عرابى جديداً بشهامته ونخوته، ورأينا فيك «أدهم الشرقاوى» ينحاز إلى الغلابة، فوقفنا خلفك وفوضناك فى كل شىء وجئنا بك رئيساً لنا لا علينا.
وبكلامك الصادق، أيقظت فينا الأحلام المؤجلة والآمال التى دفناها فى تراب يأسنا، وما كنا ندرى أننا سنعذب بأحلامنا حين رحنا نتلقى الصفعة تلو الأخرى، ووقعنا فى حيرة كبيرة بين ما تقوله يا سيادة الرئيس وبين ما يفعله وزراؤك خصوصاً وزير الزراعة،
ارتفع سعر السولار وقلت تحمّلونى، لأن هذا جزء من إصلاح منظومة دعم الطاقة فتحملناك، ثم فوجئنا بزيادة أسعار الأسمدة بنسبة 33 فى المائة وارتفع طن اليوريا من 1500 إلى 2000 جنيه وارتفعت شيكارة السماد فى السوق السوداء من 100 جنيه إلى 200 جنيه، وعرفنا أن وزير الزراعة بدلاً من أن يكون مدافعاً عن الفلاحين أصبح مضطهداً لهم ورضخ أمام مطالب وزير الصناعة والاستثمار برفع سعر السماد وإلا سيتوقف ضخ الغاز إلى مصانع الأسمدة التابعة للحكومة، مثل مصنع أبوقير والدلتا وحلوان.
وتابعنا لقاءك بممثلين عنا من الفلاحين والعمد ففرحنا بك، وقلنا وصلتك شكوانا وكان اللقاء بحضور وزير الزراعة والرى والحكم المحلى فانتابتنا نشوة الأمل، لأن هؤلاء الوزراء هم المعنيون بحل مشكلاتنا ولكن فور خروجهم من عندك عقدوا اجتماع مجلس إدارة الهيئة العامة لمشروعات التعمير والتنمية الزراعية وأعادوا إحياء المادة 18 من اللائحة التنفيذية لقانون الأراضى الصحراوية رقم 143 لسنة 81 والتى تفرض تحصيل 4 آلاف جنيه من الفلاح عن الفدان الذى يُروى من ماء النيل و2000 جنيه للفدان الذى يروى من مياه الآبار واستغربنا ونحن على أبواب إعادة إصلاح المنظومة التشريعية كاملة، فبدلاً من أن يبحث الوزير عن إلغاء القوانين التى من شأنها أن تظلم الفلاح ويصدر قوانين جديدة تنصفه، راح يعيد إحياء قوانين لطالما ظلمت وسحقت الفلاح.
واستغربنا كثيراً يا سيادة الرئيس من طريقة الدفع 25 فى المائة نقدياً و75 فى المائة على عشر سنوات بفوائد 7 فى المائة للبنوك، ووجدنا أنفسنا مرة أخرى سلعة يبيعنا المسئولون إلى بعضهم البعض، فقد باعنا الوزير إلى البنوك بفائدة 7 فى المائة، وكنا نحلم ذات يوم بأن يسعى الوزير الجديد إلى شطب فوائد ديون الفلاح لدى بنك الائتمان الزراعى والتى تقدر 175 مليون جنيه والتى تهدد 275 ألف أسرة بسجن عائلها.
لم يقف الأمر عند هذا الحد، فمؤخراً خرج علينا الوزير ليعلن لنا أن الدولة لن تدعم زراعة القطن هذا العام والسبب أن نسبة تصدير القطن تراجعت إلى الثلث وكأن الفلاح مسئول عن تراجع التصدير وكأن الدولة كانت تدعمنا وقد حرقنا بأيدينا محصول القطن، وقد تابعت سيادتكم، والله يا سيادة الرئيس، كنا نشعر بأننا نحرق واحداً من أبنائنا ونحن نرى بياض القطن يشتعل.
يا سيادة الرئيس: لقد عدنا عبيداً مرة أخرى، ولكن هذه المرة أسيادنا كثر وجلادونا كثر، كنا قبل ثورة52 عبيداً عند باشا واحد غنى، ولقد كان فى كثير من الأحيان حنوناً علينا، وأصبحنا الآن بعد ثورة 25 يناير عبيداً عند مدير الجمعية الزراعية، وعند وزير الزراعة الذى لا يعرف شيئاً عن همومنا، وعند مدير بنك الائتمان الزراعى، وعند تاجر السماد فى السوق السوداء وعبيداً أمام أبنائنا وزوجاتنا بعد أن أصبحنا غير قادرين على توفير لقمة العيش لهم.
والإحساس المؤلم يا سيادة الرئيس حين نشعر بأننا لسنا رجالاً وقد بارت أراضينا وهذا إحساس لا يشعره إلا الفلاح، فالفلاح يكون سعيداً لو استلف واقترض وزرع أرضه، ورآها مخضرة يانعة حتى لو كانت النهاية السجن.
يا سيادة الرئيس هذا حالنا لا يخفى عليك.
ولله الأمر من قبل ومن بعد.
اقرأ أيضًا:
أكثر 8 صور نالت الإهتمام لبوتين في القاهرة
لماذا استعانت “رصد” بـ”إعلاميي الانقلاب” في تغطيتها لـ”الدفاع الجوي”؟
كواليس لقاء باسم يوسف في “ديلي شو”
13 تصريح لمرتضى منصور عن المذبحة والألتراس وعمر جابر
«الإخوان» يهددون حبيب لوقف نشر مذكراته فى «الشروق»
إحصائية: 22 جريدة تصدر يوميًا في مصر
خناقة وسط الدماء| التوك شو: الغوا الدوري.. والإعلام الرياضي: بُلَهَاء
فبراير الأسود : 5 كوارث في 13 عاماً