تعرفت إليه منذ بضع سنوات، شاب فى أوائل الثلاثينيات، طموح.. وسيم.. ذو خلق رفيع.. ناجح فى عمله الذى أسسه بنفسه، يفكر في الزواج مرة ويتجاهله مرات، وكانت هى صديقتى سبب صداقتنا، كانا أصدقاء ثم عملا سويًا، وأُغرمت به وأُغرم بها دون أن يبوح سريعًا، كان يريد أن يثق فى مشاعره أكثر، كلما رأيتهما سويًا، رأيتها تحلق في سمائه وتعلن ملامحه عن سعادة غامرة.
مرت الأيام، وأنا أتابع، وأشاهد، وأتذكر، كل أحاديثي المنفردة مع كلاً منهم على حدة، والتي كنت أبوح بها كاملة لصديقتي في حين يعلم هو أنها لا تعلم من الأمر شيئاً، وأتذكر إحساسي المفعم بالفرحة يسبقه الأمل أن الحب ما زال ينتصر، وأنه ثابتاً في زمن كثرت فيه الخيانة، والاستغلال وطغت فيه المادة.
لقد كانا يعيشان في زمن مختلف، أردت أن أعيشه فأنعم الله علي برؤية الحلم حقيقة تتجسد عندما رن هاتفي لينطلق صوتها في فرح، أنه قد رفع الراية البيضاء، وسلم قلبه عن طيب خاطر وبكل الحب أراد أن يُكمل رحلته معها وهو الشاب المُضرب عن الزواج لم يشعر فى حياته كلها بمثل ما شعر به معها، وجد ما يبحث عنه وما يهدئ نفسه ويحتويها.
كانت الخطبة وعبرت فرحة أعينهما للجميع عما يدور بداخلهما من أمل وسعادة، ومرت الأيام سريعاً لنحتفل جميعا بيوم زفافهما الذي نظر إلي فيه صديقى بذهول وقال “أخدتها يا مروى أخدتها.. مش مصدق نفسي انى أخدتها وهنبقى مع بعض على طول”.
توقفت عند مقولته كلما مررت بموقف يستوجب مني قراراً، كلما حلمت حلمًا من أحلامي الواقعية والعبثية التي لا تتوقف، لم أتوقف عند المقولة فحسب بل تفكرت في معناها وما وراءها بما تحمله من إصرار، وشغف حول الوصول إلى ما تحبه، وما تريد تحقيقه وانجازه فى حياتك.
مرت أيامنا في ملهاة كالعادة لكن حب صديقتى ينمو ويكبر كل يوم، يزداد احترامها وتعلقها به، تراه وكأنه آخر رجال الأرض، ثم أهداهم الله إبنة جميلة مكافأة لهم، وفى يوم شديد البرودة تلقيت اتصالا من إحدى صديقاتنا تحمل خبر فاجع، مات الصديق، كان مريضًا ولم يعرف أحد إلا عائلته الصغيرة أن الوقت سوف يُنهي كل شئ.
عانى آلاماً كثيرة حتى خرجت روحه التي أنارت وأرشدت عائلته إلى الصبر في مصيبتهم، كان يقول كيف أجرؤ على الشكوى على شىء من عند الله، كان صابرًا حامدًا مُلهمًا لكل من حوله بيقين أن الإختبار صعب ولابد من اجتياز التجربة.
كانت صديقتي متدينة في الأصل إلا إنه أضاف لها عُمقا في ايمانها، صديقتى لم تخلع الأسود ولا الأبيض إلى الآن، سواد الملبس وبياض القلب، “كيف لا أفعل وهو الزوج الحبيب والأخ والأب والصديق الذي ساندني وشجعني دومًا” تقول صديقتي.
مرت سنوات، وصديقتي تحبه، وتحترمه، وتفتقده ثم تحبه أكثر، وتحكي معه وعنه، حقيقة الأمر لم أتوقف عند ردة فعلها فهى صديقتي المخلصة التي أعرفها، وإنما دائماً ما أقف وأفكر وأتأمل صديقى هذا كنموذج كان بيننا يومًا ما، تمنيت أن أرى مثله حولي فلم أجده، وإن كنت أرى نماذج مُحبة ومُضحية قليلة بيننا.
يراودنى سؤالًا: هل فكرنا يوما بما سيقوله الآخرون عنا بعد رحيلنا؟ هل أعطيناهم ما يستحقون من حب واهتمام ورعاية قولًا وفعلًا؟ أم أننا في دائرة الحياة نلف وندور حول أشياء لا قيمة لها، القيمة الوحيدة المهملة هم من نظن أنهم باقون إلى ما لا نهاية، قد تظن أن شريك حياتك موجود لأنه مازال في سن صغيرة، أو أن آبائك باقون لأنهم بصحة جيدة، أو أصدقاؤك لأن ليس هناك ما يدعو للقلق، لكن الحقيقة أن لا شئ مضمون في هذه الدنيا ولا شئ ثابت، فاجعل فترة اقامتك القصيرة فيها مفيدة ومهمة وملهمة لمن حولك، لأحبائك، لدائرتك الصغيرة يليها الدائرة الأكبر، لا تجعل الدنيا أكبر همك لأنها لا تستحق كل هذا الاهتمام.
لا أعلم ردة فعلك صديقتي الحبيبة تجاه سردي المُبسط لواقع عاصرته في مقالي هذا الذى لم ولن يستطع أن يصف كل ما مر بك من فرح، وألم، وأمل، لكني أحببت في نهاية السنة وبداية أخرى أن أوجه رسالة إلى من لم يحالفهم الحظ بعد بلقاء رجل مثل زوجك وصديقي رحمه الله.
” لا تتزوجى من أجل الزواج فقط فهذا أسهل الأشياء أما أصعبها أن تجدي روحك عنده فيكون القرار هو إكمال الرحلة سويًا”