نظراً لأنني مُقبل على أجازه بداية السنة من الكلية هنا في روسيا، قررت أن أرفه عن نفسي بعض الشيء وأفتح موقع الفيس بوك قليلاً لأقلب بين صفحاته لأطلع على أحدث الأخبار والمستجدات في مصر.
فرأيت منشوراً لصفحة من كتاب الدراسات الاجتماعية للصف الثاني الإعدادي، وكان مكتوب فيه ما ستقرأه الآن عزيزي القارئ وعليك أن تتماسك جيداً وألا تضحك بصوت عالي، فأنت تعلم جيداً أن “البريستيج” أهم حاجة كانت الفقرة التي قرأتها تقول: “يتميز سكان وطننا العربي بمجموعة من الخصائص التي جعلت منهم أهم عوامل التنمية والتقدم في وطننا العربي وهم الاهتمام بالتعليم وتنوع الأنشطة الاقتصادية وارتفاع مكانة المرأة والتمسك بالقيم الحميدة”، نعم كما قرأت عزيزي القارئ هذا هو المكتوب، وبالطبع الدباجة الرائعة هذه تحتاج إلى شخصية عم أيوب والتي تمثل الوزارة الواضعة لهذا المنهج وشخصية شوكت التي شخصها الفنان محمود القلعاوي والتي من الممكن أن نقول أنها تمثل الشعب.
أين تكمن تمثيل تلك الشخصيتين لدور الوزارة والشعب، دعني أوضح لك!، في مشهد في مسرحية الجوكر كان الفنان محمد صبحي -أو عم أيوب-كان يقول لمحمود القلعاوي -شوكت-: “لم الثعابين يا ابني عشان الضابط اللي واقف” فما كان من شوكت الا أنه قال له: “هي فين الثعابين؟!” فأجابه محمد صبحي: “يعني هو فين الضابط!”، وهذا بالفعل ما يحدث، لو سأل الشعب الوزارة أين التنمية والتقدم في وطننا العربي أو مصر في الفترة الأخيرة ستكون الإجابة واضحة رغم أنها لا تحتاج لأحد كي يقولها وهي: “يعني هي فين العوامل!”، فبالتالي يُدرس للأجيال الناشئة معلومات ليس لها أي قيمة لأنها ليست تهمه في شيء!، وبخصوص هذا الموضوع لنا هنا وقفة أخرى!
هل تعلم أنني لو لم أكن أعلم خلال امتحان اللغة العربية في الثانوية العامة من كان يسكن بجانب طه حسين من ناحية اليسار ومن ناحية اليمين كنت سأخسر درجة على الأقل في سؤال القصة؟؟، هل تعلم أن طلبة الثانوية العامة مطالبين أن يعرفوا متى كان يحب الصبي طه حسين أن يأكل البليلة؟!، هل تعلم أن الطلبة مطالبين أن يعرفوا كلاب العدويين جيران طه حسين، وطائر الشخص الذي يسكن في الطابق الذي يسبق سكن طه حسين في الربع، وعلينا الا ننسى حلق المدعوة كوابس!
هل تعلم أنني بعد أن دخلت إلى كلية طب الأسنان في روسيا، ما زلت أتساءل ما هي أهمية حشائش السافانا التي كانوا يضعونها في مناهج الدراسات الاجتماعية حتى الصف الثالث الإعدادي؟؟، وينبغي أن أعرف أيضاً أين تزرع ومتى!، لماذا؟!، لا أعرف، ولكن كان يجب أن أعرف كل تلك المعلومات التي ليست لها أي قيمة، بالطبع لا أسفه من المعلومات ولكن يجب أن أمنح الطالب كل المعلومات التي تساعده على توسيع مدارك وأفاق عقله، وليست مجرد حشو كي يضعه على ورقة الإجابة في أخر العام.
قصة مثل قصة الأيام لعميد الأدب العربي طه حسين، لماذا تجعل الطالب يكرهها وهي عن شخصية أثبتت للكل أن المعاق هو من لا يثق في قدراته؟!، لماذا تضع المعلومات التافهة ولا تضع الرسالة الأهم في قصته!، لماذا لا تضع كيف أثبت طه حسين للكل أنه قادر على تحدي أعاقته، وأنه أستطاع أن يدرس في فرنسا وينال أعلى المراتب والدرجات.
صدقني لو نظرنا في أمور التعليم، لن نحتاج في يوم أن نقول: “يعمل أيه التعليم في بلد ضائع!”