كيف سقطت السفير ؟

خالد البرماوي

نقلاً عن النشرة الأسبوعية لمنتدى المحررين المصريين

” أهو ده اللي صار، وادي اللي كان، مالكش حق، مالكش حق تلوم علي”. اختار الكاتب الصحفي اللبناني المخضرم طلال سلمان، رئيس تحرير جريدة السفير، هذا المقطع من أغنية الفنان الخالد سيد درويش، لتكون خلفية رسالة مصورة مقتضبة يعلن من خلالها رحيله، ورحيل جريدة السفير العريقة من المشهد الصحفي اللبناني والعرب.

ولكن هل حقا، ليس هناك لومًا عليه ولا على القائمين على صحيفة السفير، وهل كان يمكن أن يتم إنقاذ الصحيفة اللبنانية ذائعة الصيت والتي تأسست عام 1973، خاصة مع شهرتها في صحافة العمق والتحليل والرأي، وهي مقومات مطلوبة جدا في الصحافة المطبوعة في هذه الأيام.

كانت السفير أبلغت موظفيها، أنها ستدفع كامل مستحقاتهم المادية منتصف يناير الحالي، وذلك تزامنا مع نشرها إعلانا -يرجع أن يكون من باب المجاملة- على القنوات التلفزيونية اللبنانية، ويظهر فيه مؤسسها ورئيس تحريرها طلال سلمان وهو يطفئ الضوء داخل مكتبه ويخرج منه، قبل أن يُضئ المصباح وحده مجددا مع عبارة “ع الطريق”، وهو ما يطلق العنان لعشرات التكهنات!

وفي الصفحة الأولى من الطبعة الأخيرة يوم السبت 31 ديسمبر 2016، نشرت الصحيفة رسما كاريكاتيريا تألف من قلم مكسور وحمامة دامعة وشخصية حنظلة الشهيرة التي ابتكرها رسام الكاريكاتير الفلسطيني الراحل ناجي العلي الذي كان يعمل في السفير.

المصير الذي وصلته له السفير، ليست فيه وحيدة ولن تكون الأخيرة، وإن كانت من الصحف القليلة التي اتخذت قرار الانسحاب الكامل  من المشهد الإعلامي الورقي ثم الإليكتروني، لتختفي تمامًا، وقد يكون هذا للأبد، وقد يكون هذا متبوع بحل قريب مرتبط بعبارة” ع الطريق”.

ربما لو كانت السفير قرأت المشهد الصحفي والسياسي والاقتصادي جيدا، ببعده المحلي والإقليمي، ربما لو استوعبت الأرقام والمؤشرات من داخلها ومن خارجها، ربما لكان يمكن إنقاذها أو على الاقل يمكن تأجل مصيرها ولو قليلا، ولربما منحت بذلك بعض الوقت، وبالتالي بعض الفرص.

الحديث عن أسباب سقوط جريدة السفير لا يمكن أن يكون بمعزل عن المناخ السياسي والاقتصادي المتأزم الذي تعيشه لبنان والوطن العربي، ولكن هذا المناخ ليس جديدا، فلقد عانت الاوطان والصحف أوقات أشد وأصعب، فما الذي جد؟

منذ انطلاق هذه النشرة المتخصصة “النيوزليتر”، نحرص على أن نتجنب الحديث عن أي جوانب سياسية تتعلق بالخط التحريري لأي مؤسسة إعلامية، ولكن أي نظرة موضوعية ستكشف كيف أثر الرهان السياسي الذي ارتمت له صحيفة السفير في سنواتها الخمس الأخيرة.

ما يعنينا الآن هو قياس قدرتها على التطور وقدرتها على الاحتفاظ بأسباب البقاء، والأسباب التي أوصلتها لهذا النهاية، خاصة وأن بيانها الأخير لا يقول أبدا أنها وعت الدرس، وفهمت لماذا انتهى بها الحال هكذا، عندما فقدت قدرتها وربما قبلها رغبتها في المزج بين تقاليد الصحافة الورقية، وبين أدوات وتقنيات العصر.

ورغم أن خواتيمها حملت بعض الملامح الرقمية، وبعض المحاولات الخجولة في محتوى فيديو وفي تطوير شكل الموقع وزيادة التواجد على منصات التواصل الاجتماعي، حتى أن موقعها الإليكتروني سجل نموًا لافتا، جعلها تختم مسيرتها وهي في ترتيب رقم 22 ألف على مستوى العالم، بينما كان قبل ستة أشهر فقط أقل من 35 ألف.

وتحقق ذلك عندما ركزت على نسختها الإليكترونية، ولكنه يظل تحركا كلاسيكيًا ومتأخرًا للغاية، لم يتم التمهيد له جيدا ولم يعطى الوقت المناسب لكي يأخذ فرصته كاملا، ليكون البديل وقت اللازم.

وترتيبها رقميًا رغم حالة الفورة الأخيرة بقى متراجعا بصورة كبيرة خلف منافسيها، وتحديدًا صحيفة الأخبار وصيدا اونلاين والنهار ولبنان ديبيت والمدن والديار، لتحتل المرتبة رقم 74 بين المواقع التي يهتم بها الشعب اللبناني، وهو رقم ضئيل للغاية في دولة يبلغ عدد سكانها 4 ملايين نسمة.

ومثل بقية أسواق المنطقة العربية وأغلب دول العالم، تأثر الإعلام اللبناني بتراجع سوق الإعلانات التي تساهم في تمويله بشكل كبير، واستناداً إلى معلومات شركة ابسوس لأبحاث الاسواق، فقد تراجعت الاعلانات في الصحف اللبنانية ما بين 7-10% ما بين 2014 و2015.

ويعود سبب هذا التراجع لإدراك شركات الاعلان في لبنان كما هو الحال في مصر وأغلب دول العالم أن اهتمام الناس بالصحف والمجلات تراجع لصالح وسائل التواصل الاجتماعي والتليفزيون.

أحيانا ما يكون الطبيب مضطرا لاتخاذ خيار البتر كحل أخير حاسم، ولكن التوقيت هنا هو كلمة السر. فلو بَكر بقراره، سيقطع الطريق على أي حلول بديلة محتملة؛ ولو تأخر قليلًا لربما قضي بذلك على كل فرص النجاة لباقي الجسد. الأمر ليس سهل أبدا، ولكنه التعامل معه ليس مستحيل، وهو يخض لمنطق ودراسة مستندة على أرقام وحقائق، وليس من باب التخمين والظن وضرب الودع!

ولنا في تجربة صحيفة الأندبنتدت نموذج طازج يمكن التعلم منه، خاصة وأنها عانت صعوبات في نفس توقيت السفير التي تكبر الصحيفة الإنجليزية بأكثر من عشرة أعوام.

الأندبنتدت كانت تحقق خسائر كبيرة ظلت تتصاعد بقوة قبل 2010 وبعدها، وتراكمت الديون عليها، حتى أنها بيعت بجنية استرليني واحد، للملياردير الروسي إليكسندر إفجيني ليبيديف، ومع ذلك استمرت الخسائر، ولكن في المقابل كانت هناك خطة بديلة للتحول الرقمي يتم تجهيزها.

وعندما حانت اللحظة، ولم يعد مقبول الاستمرار في تحمل الخسائر، والتي كانت تعنى أن هناك مغامرة في بقاء أسم الصحيفة وليس فقط نسختها المطبوعة، فكان قرار التوقف عن الطباعة منتصف 2016، رغم أنها توزع ما يقرب من 60 ألف نسخة يوميا، وضعف هذا العدد تقريبا في نسختها الأسبوعية.

ولكنها قررت التوقف قبل مرحلة الانهيار الكبير، فما جدوى أي قرار يتخذ بعد أن يتمكن المرض من كل الجسد؟! ولأنها كانت تتوقع وتحسب لهذا اليوم جيدا جهزت البديل، واتخذت قبل فترة قرار النسخة الاليكترونية أولا Digital First، وبدأت بالفعل في إطلاق سيل من الخدمات والمنتجات الجديدة مثل موقع Indy100، الذي يحصد نجاحا  كبيرا منذ اطلاقه.

وهكذا تمكنت من العودة مجددا ومن تحقيق الربح، كما عرفنا بالتفاصيل في هذا العدد من “النيوزليتر”.

وعلى مسافة ليست بعيدة من صحيفة السفير، هناك صحيفة النهار الأقدم في لبنان، والتي تأسست عام 1933، وتعانى هي الأخرى مشاكل اقتصادية كبيرة، ومع بداية هذا العام ستقوم بتسريح العشرات من الصحفيين والموظفين، ومع ذلك يبدو أن موقفها أفضل، حيث تتمتع بنسخة رقمية أفضل وترتيب جيد بين الصحف اللبنانية على الانترنت، علاوة على أنها تقوم بتطوير محتوى فيديوجيد سيسهل كثيرا من خطوات تطورها رقميًا.

ويرى الأستاذ في كلية الاعلام بالجامعة اللبنانية أحمد زين الدين لصحيفة القدس أن السب في ما وصلت له صحيفة السفير يعود لأن “الصحافة العربية عمومًا واللبنانية تحديدًا ليست صحافة جمهور ولكنها صحافة تمويل، يأتي من جهات سياسية أو اقتصادية ودول أخرى”. ما قاله دكتور زين يمكن أن ينحسب على أغلب وسائل الإعلام العربية.

ويربط بين المصير الذي وصلته له الصحافة اللبنانية وبين عدم قدرتها على التأقلم مع السوق الاعلامي الجديد، ويقول :”الصحافة اللبنانية لم تستشرف الازمة مبكرا لذا تعاني عدم قدرتها على قراءة المستقبل والتخطيط له”. ويرى أن الحل يكمن في إعادة تنظيم الصحافة لنفسها والتعامل بجدية مع التحولات الجديدة وفقا لنماذج اقتصادية محترفة”.

 للاشتراك في نشرة المنتدى من هنا

للاشتراك في صفحة المنتدى على الفيس بوك من هنا