حسين عثمان يكتب: أتمناه عاماً لتحرير العقل المصري

كان مشهداً مضيئاً مع نهاية العام المنقضي أن تطلق مؤسسة الأهرام “صالون الأهرام الثقافي” تحت شعار “حرية الإبداع والتفكير”.. حيث خصصت الجلسة الأولى التي عقدت الأسبوع الماضي، لمناقشة تصورات النخبة عن فكرة الصالون وشعاره الأساسي، وقد أشار محمد عبد الهادي علام رئيس تحرير جريدة الأهرام وصاحب الدعوة في كلمته الافتتاحية، أن تدشين هذا الصالون، يأتي في إطار استعادة الدور التاريخي لمؤسسة الأهرام، مؤكداً أنه سيكون طقساً ثقافياً شهرياً يعقد في جريدة الأهرام، وبهدف رصد كل جديد في عالم الثقافة بمعناها الواسع، وذلك من خلال محاضرات عامة يقدمها الصالون لكبار المفكرين والمبدعين، ولم ينس إضافة أن القضايا الحياتية التي تعيشها مصر سوف تكون محل نقاش أيضاً، ولكن من خلال منظور ثقافي.

نرشح لك : حسين عثمان يكتب: في وداع صاحبة الجلالة

المبادرة تستحق الإشادة، وإن كان الأمر لا يخلو من مجموعة هواجس، تأتي في إطار الاهتمام والحرص على نجاح الصالون، وحسناً فعل القائمون عليه أن استهلوا أولى جلساته بطرح فكرته وشعاره للمناقشة، وهو ما بدأ به الحاضرون قبل أن ينتهوا لطرح تصوراتهم لإطار عمله أيضاً، وكذلك آليات متابعة ما سوف يأتي به من توصيات، وكيفية التواصل مع مؤسسات الدولة وصانعي القرار، بل وحتى المهتمين جميعهم، في سبيل تفعيل دور الصالون، وتفاعله الإيجابي مع المجتمع المصري، ولعلنا هنا نساهم بطرح هواجسنا التي نستعرضها هنا في صورة أمنيات أو توقعات ممن يقدرون الأهرام وتاريخه ومكانته حق قدره، ويتوسمون، بل يحرصون على استمرار مبادرته هذه إيجابية قوية فاعلة متفاعلة مع المجتمع المصري بشكل عام، فليس أهم من حرية الإبداع والتفكير، ونحن نعيش مرحلة مليئة بالتحديات، ولكنها لا تخلو من الفرص، وخاصة فيما يتعلق بتحرير العقل المصري.

نتمنى أول ما نتمنى ألا يقع الصالون في فخ النمطية، فلا يصير سوى دائرة جديدة من دوائر الكلام التي تحوطنا من كل جانب، وإن تميزت عن غيرها فلا تتميز إلا بتدوين مضامين جلساتها في مدونات تسجيلية ينشرها الأهرام بشكل دوري، وإن كان هذا حتى تقوم به بعض من مراكزه ووحداته البحثية بالفعل، والتي ينتهي بها الحال مرصوصة على أرفف مكتباته ومكتبات المؤسسات الأكاديمية أو الثقافية، في انتظار من يعود إليها كمراجع للبحث والدراسة، وبحيث ينحسر دورها فقط في هذا الاتجاه دون أي انعكاس من أي نوع على التغييرات المرجوة لمجتمعنا في الوقت الراهن، فتكون أولى انحرافات الصالون عن شعاره، فلا حرية إبداع أو تفكير في صحبة نمطية الأطر والآليات، وما زاد هاجسنا هنا أن تصدر مشهد تدشين الصالون ذات الوجوه التي تحتكر لقب النخبة منذ عقود طويلة، وبمن فيهم القائمون على إدارة الصالون، وجميعهم مع خالص التقدير والعرفان، مستقبلهم وراءهم بتعبير الراحل الكبير محمد حسنين هيكل.

وهو ما يجعلنا نتوقع ثانياً أن يعمل صالون الأهرام الثقافي على إعادة تنشيط مفهوم تواصل الأجيال، وبحيث يتيح مساحات كبيرة لتفاعل الشباب مع ذوي الخبرة، وبما يعطي الشباب الفرص المتنوعة للتعبير عن أنفسهم بما تحمله من آمال واحلام، بل وحتى إنكسارات وإحباطات، ولعل استخدام الصالون لآليات التواصل التكنولوجية المتطورة، سواء بإنشاء موقع إلكتروني له، أو مشاركة أنشطته على شبكات التواصل الاجتماعي، ما يحفز الشباب في البداية على المتابعة والتفاعل، ويدفعهم إلى حضور جلساته التي نتمنى أن يحرص صالون الأهرام الثقافي على دعوتهم إليها عند مناقشة كافة القضايا، وليس ما يتعلق منها فقط بالشباب.

هذه وتلك، تأخذنا إلى رجاء أن يعيد الصالون النظر في مسألة إقامته فقط داخل أروقة الأهرام، فلا أجد مانعاً أن ينتقل الصالون إلى الأقاليم بالتنسيق مع وزارة الثقافة، فقد يبعث الروح في قصور الثقافة المهجورة هناك، ويشبع نهم قطاعات عريضة من أبناء المحافظات تنادي بأعلى صوت، وتحتاج لمن ينصت لها، ولكن دون أدنى صدى في المقابل، كما أجد أنه من الحيوية بمكان أن يتفاعل الصالون مع الشباب من خلال وزارة الشباب، فتكون مراكز الشباب مساحة لرفع اللياقة الذهنية مثلها مثل اللياقة البدنية، كما أن جامعاتنا، وفي مقدمتها جامعة القاهرة بما تشهده حالياً من حيوية فكرية وثقافية وفنية في عهد رئيسها الحالي د. جابر نصار، جميعها أراها مسرحاً هاماً لتفاعل صالون الأهرام الثقافي مع المجتمع المصري بطوله وعرضه، ولا أنسى وسائل إعلامنا، القنوات الفضائية، والمحطات الإذاعية، والمواقع الإلكترونية، على صالون الأهرام الثقافي أن يهتم بدعوتها لتغطية فعالياته، وعليها في المقابل أن تهتم بأنشطته وتوصياته إلى حد تسليط الضوء عليها في أوقات الذروة، وصدارة المشهد.

أتمناه عاماً لتحرير العقل المصري، ولا أرى أهم منها أمنية أو حلماً أو هدفاً، ونحن نستهل عاماً جديداً، نأمله نقلة نوعية على طريق التنوير، وهو ما لن يحدث أبداً إلا إذا حررنا عقولنا، ولكن بكل أسف، يأبى حراس المعبد، وكهنة التابوهات، إلا أن يوجهوا لنا لكمة محبطة، تؤكد وجودهم بقوة مع مطلع العام الجديد، فلم يكن استيقاف برنامج إبراهيم عيسى على قناة القاهرة والناس، إلا صيحة تحد جديدة منهم جميعاً، بأنهم لا زالوا هناك، ولكن في النهاية، سوف يتحرر العقل، وإن طال وشق الطريق.. فكما قال أبو الطيب المتنبي.. ذو العقل يشقى في النعيم بعقله.. وأخو الجهالة في الشقاء ينعم.. كل عام وأنتم بخير.