خدعوك فقالوا الصحف المصرية ستختفي !

نقلاً عن المصري اليوم

أحيانا يكون جلد الذات فعلا إلزاميا، خاصة عندما يحسم الأمر، ولا يبقى أمامنا إلا أن نستخلص العبر والدروس لعلها تفيدنا في إنقاذ ما تبقى.

عندما يكون في مصر حوالي 22 صحيفة يومية وأسبوعية مطبوعة، وكلها مجتمعة توزع في حدود 450 ألف نسخة، وهذا كان قبل قرار تعويم الجنيه، وقبل قيام بعض الصحف برفع سعر نسختها، وعندما تكون ثلاث فقط من تلك الصحف تستحوذ على 70% من هذه الكعكة الضئيلة، وهذا يعنى أننا نتحدث عن 0.5% من الشعب المصري يشترى الصحف كل صباح، أي أقل ممن يشترون الدرة المشوي، أو ممن يدخلون السينما، أو ممن يطلبون أكلهم ديلفري!!

ثم بعد هذا نسأل متى ستختفي الصحف المطبوعة؟ هي فين أصلا.. لقد اختفت يا عزيزي واللي كان كان، إلا إذا كنا سنسمى النصف في المائة حضور؟!
وهنا لا عزاء لأصحاب النظريات الكلاسيكية القائلة بأن وسائل الإعلام تتكامل ولا تستبدل بعضها، قل لهم، أين الحمام الزاجل، وأين هي إشارات الهنود الحمر، ألم تكن هذه وسائل التواصل في العصورالغابرة؟!

(الأرقام المذكورة تقديرية، ومن أكثر من مصدر داخل سوق التوزيع في مصر)

*****
لكي نفهم كيف وصلت الصحف المصرية المطبوعة لهذا المصير، يجب أن نفرق بين مسار الصحف الحكومية ومسار الصحف الخاصة، وإن كان المصير واحدا.

الصحف الخاصة: لا ينكر أحد دور البطولة الذي لعبته تلك الصحف في مصر في زيادة الوعي السياسي للشعب المصري في فترة ما قبل ثورة يناير، وفي صدارة ذلك الدور: المصري اليوم، والشروق، والدستور، وإن كانت بطولتهم ليست منفردة، فقد زاحمتهم بقوة برامج توك شو ومواقع الإنترنت وسوشيال ميديا.

ولكن بعد 6 سنوات من الثورة، تراجع دور الصحف الخاصة المطبوعة ليصبح في ذيل التأثير بعد القنوات التليفزيونية وسوشيال ميديا والمواقع الإليكترونية بل ومحطات الراديو، والواقع يقول أنها لم تعد موجودة على مستوى التأثير الشعبي أو السياسي، هذا المقال ربما يفسر أكثر الصورة،وهنا يمكن أن نعرف من أين يحصل الناس ومتخذو القرار على الأخبار التي تلفت انتباههم.

من الإنصاف ألا نرمى باللوم كله على الصحف الخاصة وإدارتها فهناك أسباب سياسية واقتصادية واجتماعية عديدة تواترت لتؤثر في النهاية على المشهد الإعلامي كله؛ ولكن هذا لا يعفيها من مسؤولية وصولها للمحطة الأخيرة مبكرا عن أغلب أسواق الصحف المطبوعة في العالم؛ وباتت الصحف المصرية الخاصة كلها ما عدا المصري اليوم- تقريبًا- مهددة بأن تلحق بمصير صحيفة السفير اللبنانية خلال عام أو اثنين على الأرجح.

ولا تستطيع هذه الصحف إلا أن تلوم نفسها، فرغم كل الفرصة وكل الوقت الذي اتيح لها لم تنجح في تأسيس منظومة عمل احترافية وجدت لتبقى عشرات السنين، وليس لبضعة سنوات أو لحين انتفاء الحاجة.

فلم نر استثمارات ضخمة في صناعة الورق أو في نظم الطباعة- ماعدا تجربة وحيدة خجولة- كما حدث في الهند، أو في بناء شبكة توزيع وأنظمة اشتراكات كما في اليابان وأمريكا، أو حتى في برامج وتطبيقات جمع ونشر وتوزيع المواد الصحفية.

حتى على مستوى الكفاءات البشرية التي تمثل رأس المال الحقيقي لأي مؤسسة إعلامية، تركت الأمور في أغلبها لتسير بالبركة، فالتعين يتم بالود ووفقا للمعارف، والرحيل بالمزاج والأهواء الشخصية؛ لم نرى أنظمة محترفة تعين وتحاسب وترقي وتفصل، لم نر منظومة مرتبات عادلة وشفافة تعطي للصحفي حقه، وتأخذه منه حق المؤسسة، فكانت النتيجة بخلا في المرتبات، مقابل بخل في المجهود، يا لها من معادلة حمقاء!.

للأسف لم نر منظومة تدريب محترفة، تضع خريطة بالمهارات المطلوبة، وساعات التدريب الإلزامية والوصف الوظيفي والاشتراطات المطلوبة قبل أي ترقية، الخ. لم نسمع يوما عن مؤسسة أرسلت بعض صحفييها للبقاء عاما أو بضعة أشهر في دايلي ميل أو الجارديان أو نيويورك تايمز ثم يعودون لتحمل المسؤولية وتغيير الدماء.

الغريب في الأمر أن المستثمرين أو الممولين- حسب ما تفضلوا- يديرون بزنسهم الخاص بطريقة احترافية تعرف معنى العائد على الاستثمار، وأهمية وجود إدارة محترفة للموارد البشرية، وصيانة الأصول وتطبيق أنظمة تقييم ومحاسبة عادلة وشفافة KPIs؛لكن عندما يتعلق الأمر بصحفهم، نرى وجهًا آخر، وإدارة «بلدي»، تتعامل بمنطق كل يوم بيومه!
الصحف الحكومية: الحكاية في كلمتين، ومن الاسم يمكن أن نفهم كل ما يجب أن يقال، فعلي الرغم من أن الفضل في قصة نجاح الصحف الخاصة قبل 2011 يعود بالأساس لقيادات صحيفة تنتمي للصحف الحكومية، ولكنها اتخذت قرار الرحيل عن بيتها في ظل مناخ عمل روتيني ومحبط !.

غير هذا لا نكاد نرى للصحف الحكومية أي إمارة أو فضل في العشر سنوات الماضية على الأقل.

وما عدا مؤسسة الأهرام العريقة، وربما صحيفة أخبار اليوم، لا تملك المؤسسات الصحفية الحكومية أسباب البقاء، وكيف يكون لها مستقبل وبعضهالا يوزع أكثر من 1000 نسخة!، وأنا هنا كريم للغاية.

المنطق السليم يقول أن تصفية كل هذه المؤسسات هو الحل الوحيد، مع تطوير وهيكلة مؤسسة الأهرام، وربما أيضا أخبار اليوم، هذا مصير وقرار حتمي لا بديل عنه، الأمر فقط ينتظر من لديه الشجاعة، ومن لديه الحس الوطني لكي يوقف سيل إهدار المال العام وتبديد الطاقات في مؤسسات من زمن فات!

ثم إن الصحافة مرآة المجتمع، والمجتمع مرآة للصحافة.. وصحافة حرة= مجتمع حر، ومجتمع حر= صحافة حرة. ولكن أيهما أولا، الفرخة أم البيضة؟! تلك هي المسألة.