سقط محمد البرادعي من نظري من وقت أن غادر مصر حال تنحي مبارك في فبراير 2011، بعدما ظل طوال 18 يوماً يتصدر مشهد ثورة يناير بميدان التحرير، وقتها أدركت أنه ليس بقائد حقيقي يسعى لتحمل المسئولية، فقد هرب منها مهرولاً وقت أن وجدها أمامه، وإنما هو فقط لا يستطيع الحياة إلا تحت الأضواء، ولم تكن مواقفه المتتابعة بعد ذلك إلا داعمة لرؤيتي، فقد جلس على مضض في بيان 3 يوليو الشهير، ولم تتحدث لغة جسده وقتها إلا بالرفض والامتعاض، لماذا وافق إذاً أن يشارك؟!.. بالله عليكم لا يجاوبني أحد هنا بمبررات من نوعية الضغط عليه أو ما شابه، فكلنا يعلم أنه مسنود، إن لم يكن باعتبار الولاء للولايات المتحدة الأمريكية، فعلى الأقل باعتبار تاريخه السياسي الطويل على المستوى الدولي.
وبعدها، لم يكن قبوله منصب نائب رئيس الجمهورية، في عهد الرئيس السابق المستشار عدلي منصور، ثم هروبه بالاستقالة، وسط أجواء الإعداد لفض اعتصامي رابعة والنهضة، لم يكن إلا مشهداً جديداً، للارتباك البادي دوماً على مواقف الرجل قبل كلامه، فهو لا يمكنك بأي حال من الأحوال، أن تؤيد أياً من مواقفه وأنت مطمئن واثق، دائماً ما تستشعر أنه قد يتخلى عنك في أي وقت، وهو ما تجلى بوضوح في تجربة زعامته لحزب الدستور، فهي لم تكن أيضاً إلا تأكيداً واضحاً على أن الرجل لا يقوى على تحمل المسئولية، فمن ناحية انفرد بالرؤية والقرار، في تناقض واضح لما يدعو له من ممارسات ديمقراطية، ومن ناحية أخرى، لم يستطع قيادة عمل سياسي تنظيمي على نطاق واسع في مرحلة انتقالية متقلبة، فكان الهروب الكبير أيضاً، اكتفاء بأضواء الميديا، وشبكات التواصل الاجتماعي.
ومن هنا، وحين شاهدت بالصدفة مطلع هذا الأسبوع، أولى حلقات برنامج على مسئوليتي على قناة صدى البلد، والتي يخصصها مقدمه أحمد موسى لكشف البرادعي على حد تعبيره، أو فضحه على حد تعبيري، ومن خلال تسريب مكالمات تليفونية للرجل مع نخبة من السياسيين والإعلاميين وصناع القرار، ومنهم الفريق سامي عنان وقت أن كان رئيساً للأركان بقواتنا المسلحة، وجميعها اتصالات تعود لسنوات سابقة أعقبت قيام ثورة يناير، لم يكن المشهد في مجموعه في تقديري إلا فضيحة للدولة هذه المرة، وليس سقوطاً للبرادعي الساقط بالفعل هناك منذ سنوات، فكلما تستبشر خيراً بالمستقبل، لا يفعل أحمد موسى وأمثاله إلا إحباطك، بأننا لا نعيش سوى صفحة جديدة من نفس الكتاب!!.
فمن منا يفرح بسلوك الفضيحة؟!.. من يقبل انتهاك حريته الشخصية، وفضح اتصالاته على الملأ، حتى ولو كان الدافع حماية وطن، ولا يمس السلوك الشخصي؟!.. وهل لا زلتم تروننا سذجاً، لدرجة أن نصدق، أنكم لن تمسوا السلوك الشخصي، لو اقتضى الأمر يوماً من وجهة نظركم؟!.. ثم وهل يليق بالدولة، أن تسمح ضمن ما تسمح، بأن تعرض منصب رئيس أركان قواتها المسلحة، لأن يكون أحد مشاهد ملهاة ومأساة مثيرة للشفقة، كتلك التي يقوم ببطولتها أحمد موسى على مسرح أحد كبار الفلول، رجل السيراميك محمد أبو العينين؟!.. والله.. إن أفعال موسى، وأمثاله، وأولياء أمورهم، لا تخصم الآن إلا من رصيد الدولة.