الذين خرّبوا معرض الكتاب وقعدوا على تله

سيد الخمار

أخوكم ربيب سور الأزبكية تعلمت من كتب طه حسين والعقاد التي كانت تباع بقروش –قبل أن تبتلع صناعة الكتب الكروش والقروش الحيتان. كل يوم أتابع مستجدات الكتب، هواية مزعجة جعلتني أسكن في مكتبة كل يوم، زوجتي تصدر الفرمان المكرر “مش عاوزة كتب برة أوضة مكتبك إحنا خلاص معدش غير النيش اللي فية الصيني بتاع جوازنا وبرضوا حطيت فوقه كتب، إيه؟ فاكر بيتنا معرض الكتاب؟ صحيح اعمل حسابك حروح أشتري شوية حاجات للمطبخ من المعرض”. قلت “آه طبعا جميل حرمنا المصون قصدك كتب الطبيخ ووصفات الست حورية الجزائرية والباشمهندس الشربيني الكبير والصغير؟”، فقالت بحدة شديدة كما لو كانت رئيس مباحث شقتي “لا لا حشتري شوية كوبيات ومكنسة وسجادة والعيال ياكلو سندوتشات فول ويشربوا حلبسة تدفي صدرهم في البرد ده، حضّر نفسك يامعلم”. فقلت بصوت خفيض “حاكم أنا زوج مطيع، هو المعرض فيه أدوات طبيخ ومطاعم فول؟”، فردت زوجتي “طبعا وبكل صراحة كويس بدل ما كان قفل خالص أهي فسحه برضوا”.

دخلت حجرتي وتذكرت كم كان معرض القاهرة الدولي للكتاب منارة مصر للدنيا كلها، فيها التقينا كبار مفكرينا، هناك تابعت هيكل وخالنا الأبنودي، والعظيم جمال الغيطاني، وجلال الشرقاوي أستاذي في المعهد مع سميحة أيوب ومحمد صبحي ولينين الرملي. ندوات كانت تجعل الروح تستمر تعافر للبقاء في منطقة الأمل – بكرة أحلى يا جيلنا الجديد، وحتى الآن الست أمل مجتش، وجيلي – بقى جييلي – محتاس على طقوطة الثقافة. لكن السؤال: كيف وصل بنا الحال لهذا الحد؟ كيف لا نجد فيه عباقرة مصر من هارفارد والسربون وكامبردج وبرلين؟ هل تعرف حضرتك أن من عشرة خريجين أوائل هذا العام في هارفارد، يوجد ستة مصريين؟ هل تعلم حضرتك أن البروفسير الصعيدي عبد المجيد أحمد، تولى رئاسة قسم اللغة العربية في السربون عام 1886؟ نعم، التاريخ صحيح. وخد عندك؛ من عشرين جامعة كندية، هناك سبعة عشر مصريا في مناصب مرموقة. إذًا، كيف ينجح معرض الكتاب من دون كواكب مصر التي تنير الدنيا؟ هل سمعت حضرتك عن اسم إيهاب حسن من قبل، وهو كاتب مصري سكندري تفتخر به أمريكا في النصف قرن الأخير بوصفه أعظم من كتب القصة القصيرة الفلسفية؟، وخد عندك كمان؛ الرجل عاش ومات ولم يكتب سوى عن مصر، ولم نره يوما في معرض الكتاب. حضرتك حتقولي سعر الورق ارتفع، طبعا عندك حق، لكن المعرض مهمته جمع مفكري الدنيا، خصوصا المصريين، ليراهم أبناء الوطن الذين تركناهم لبرهامي يحشو عقلهم سماعيا. مهمة المعرض تروجية فقط، يعني تعطي الدولة مساحات الأجنحة بسعر رمزي – يا عالم هو فيه حد بيكسب من الثقافة يا بشر؟ ثم حضرتك هل تعلم، أن دولتنا لو فكرت فقط في معرض وثائق عبدالله النديم ورفاعة الطهطاوي ومولانا عبد العزيز البشري الموجودة في دار المحفوظات، لحققت مبيعات خيالية من نسخ تلك الوثائق؟ هل فكرت هيئة معرض الكتاب في عرض وثائق الأديرة المصرية التي تملك مخطوطات رحلة العائلة المقدسة والموجودة في أسيوط؟ وهذا لا يعني هجوما على مسئول المعرض د. هيثم الحاج وهو صديق محترم، لكن كنت أود تصحيح مفاهيم جديدة؛ لم يُنشأ معرض الكتاب للكتب فقط، بل للوثائق والنظريات الحديثة.

كنت أتصور أن تهدي إدارة المعرض مساحة كبري للسربون، تُخصصها لنوابغ مصر العباقرة الذين درسوا هناك وصاروا مؤثريين في الحضارة الفرنسية. نريد معرضا للمفكريين والكتاب والكتب، وتكون بأسعار رمزية. من يصدق أن عشرات الدول قررت عدم المشاركة بسبب ارتفاع تكاليف الشحن وإيجار الأجنحة، إلى سعر خيالي، حتى إن دار مدبولي الكبير ربما لا تشارك؟.

من المفترض أن يكون المعرض ساحة للحرية، وكل من يرد من بلاد العالم عرض كتبه أن يُرحب به. مش يتعذب في المطار مع موظف الجمارك الذي يتعامل مع علب السردين كما يتعامل مع الكتب. لو عرفتم فقط قيمة وثائق تأسيس جامعة فؤاد الأول، قائمة أسماء خريجيها الأوائل وهم الآن رؤساء وملوك وحكام عرب. هل تقدر قيمة تلك المخطوطات لو عرضت للعالم؟ هل تعرف قصة العميد طة حسين الذي بنى جامعة المنصورة وحده بتبرعات في أسبوع واحد، وكانت ملحمة متكررة، قدم خلالها العميد لمصرعشرين مؤسسسة جامعية كبرى؟ هذه هي الأشياء التي تستحق العرض مع الكتب، ومن المفترض أن ترفع الجمارك عن الكتب والورق، إذا كنا نريد أن نحفظ لذاكرة مصر المعاصرة قوتها الناعمة الثقافية. هل نسكت ونصمت إذا سمعنا أن أعظم كاتب في مصر يوزع 1000 نسخة في العام. إنها كارثة. أرجوكم فقط ترجموا للشباب خطاب تسلم وتسليم رئاسة جامعة هارفارد لتعرفوا ماذا يعني معرض كتاب. تلك الجامعة التي يذهب لمعرضها قمم عقول الدنيا، وهو معرض صغير جد لا يساوي عدة أجنحة في معرض الكتاب، بل لي سؤال: هل تحتفظ رئاسة معرض الكتاب بوثائق المعرض منذ تأسيسه في دار الأوبرا؟ وبمناسبة تبرع الرئيس السيسي لبناء أكبر كنيسة ومسجد في الكيان الحضاري، أتمنى أن نطلق حملة لبناء معرض القاهرة الدولي للكتاب، وسوف نجد تبرعات من علماء مصر بالخارج، وهو أمر لا يقل أبدا -بل لعله أهم من بناء كنيسة أو مسجد.

ويبقى السؤال؛ كيف يكون معرض القاهرة الدولي للكتاب منارة مصرية للدنيا كلها بعيدا عن البيروقراطية؟ يا راجل يا محترم الباشمنهدس وزير السياحة صرف 166 مليون جنيه في جملة ترويجية للسياحة، وإيه وإيه وإيه، جمعنا مليون ونصف مليون لايك على شبكة الفيس بوك وفي الموقع الرسمي للكتب، وكل الزوار رسميا 4786 فقط، وسمعوني سلاموا عيلكوا. آه، قبل ما أقفل المقال أحب أبلغ الباشمهندس بتاع وزارة المالية اللي قاعد مستني يحصل جمارك من أصحاب المكتبات، والله إنت صعبان عليا في البرد ده عشان اللي مستنيهم هربوا عبيروت، تعرفها؟ دي حتة صغيرة كدة قد التجمع الثالث.