رباب طلعت
خلال سنوات نجوميتهم، جسدوا قصصًا فنية، لم يتخيلوا أن ترقى قصة موتهم أن تكون واحدةً منهم، فالنهايات المأساوية التي واجهها عدد من نجوم الفن، من قتل وفقر وغرابة، يمكن أن تتجسد في أفلام سينمائية أو مسلسلات تلفزيونية، يرصد “إعلام دوت أورج” أبرزها.
نرشح لك: نهايات مأساوية (3).. ميمي شكيب سقطت من البلكونة
ظل سيد درويش، طيلة الـ31 عامًا التي خطفها من الدنيا، مترنحًا بين ثورة عوده، وجلجلة صوته، ورهافة نفسه التي مالت للموت فهربت من الدنيا بالحشيش تارة والكوكايين تارة أخرى، إلى أن نال مبتغاه ومات وهو يدندن “أنا هويت وانتهيت وليه بقى لوم العزول”، إلى أن أغمض عيناه، مفارقًا الحياة، وسط تكتم يشوبه الشك من الصحافة والدولة، اللذان صرحا، بعد موته بيومين أنه مات بجرعة مخدر زائدة، وهو ما نفاه أحفاده بعد أعوام من مقتله، زاعمين أن الإنجليز والملك هم من قتلوه، وفي رواية أخرى لزوجته السرية، بأن عشيقة صديقه هي حل لغز موت إمام الملحنين.
.
“سيد درويش يا نابغة.. ليه تموت مسموم.. والشعب ملخوم في رجعة سعد من بره”، هكذا رثاه نجيب سرور، ضاربًا بأقاويل موته بجرعة كوكايين زائدة، عُرض الحائط، مشيرًا إلى قتله على يد الإنجليز، انتقامًا لتحريضه على الثورة والتفاف العامة نحوه، فشهدت عشية عودة “سعد زغلول” من المنفى، في العاشر من سبتمبر 1923، والتفاف الناس حوله مرحبين بزعيمهم الثوري تكتمًا على مقتل رنة العود التي أحييت فيهم الثورة ، وسقطت دموع الزعيم العائد لوطنه، لا فرحة بالرجوع، بل حزنًا على بلوغه خبر وفاة “درويش” الذي شحن همة الشعب ضد الإنجليز والملك، اللذان رفضا تشريح جثته كما طلبت أسرته وأصدقائه المقربين، مدعيين أن ملحن “الحشاشين” مات إثر تعاطيه للمخدرات.
لم يكن “سرور”، وحده من اتهم الملك والإنجليز، بمقتل “درويش”، بل اتهمهم أيضًا حفيده الفنان إيمان البحر درويش، في عدة لقاءات تلفزيونية، مشيرًا لرفضهم تشريح الجثة وقتها، واختلاقهم لكذبة موته بجرعة كوكايين زائدة، وكذلك طالب هاني الحلواني، أستاذ السيناريو بمعهد السينما بالقاهرة، عام (2004) بتشريح رفاته، عن طريق الحمض النووي والعلم الحديث، لتأكيد موته مسمومًا، لافتًا إلى أن إمام الملحنين كان قبل موته قد أقلع عن الإدمان تمامًا، والدليل على ذلك “مصر عايزة جماعة فايقين”، التي قالها في إحدى أغانيه.
.
لعل أحد الأدلة القاطعة أيضًا التي تدلل على شفاء “درويش” من التعاطي، رسالته للشيخ حسن القصبجي، التي نشرها موقع “اليوم الجديد”، وجاء فيها: “قاطعت كل شيء نظراً لحادثة وقعت أمامي في الخازنذار أخوك الشيخ سيد”، وهو ما يؤكد كذب رواية موته بجرعة زائدة.
في رواية أخرى للصحفي “يوسف الشريف” تؤكد مقتله، ولكن على يد فاعل آخر، أشارت عائشة عبد العال، أو كما أطلق عليها إمام الملحنين، “حياة صبري”، التي أكد العديد من أصدقاء “درويش” المقربين، أنه تزوجها سرًا، بأنه مات مسمومًا على يد صديقه وعشيقته المغنية من الدرجة الثالثة، والتي فشل في تدريبها على الغناء، لتيقنه بضعف صوتها، فحرضت عشيقها عليه بعدما أخبرته بأنه حاول التغزل بها، فعزمه على كأس خمر به مورفين، أرداه قتيلًا، وذهب لـ”حياة” وروى لها ما حدث متوجعًا، قائلًا لها: “سموني”، ومات بين يديها، وهو يغني “أنا هويت وانتهيت وليه بقى لوم العزول”.
ويظل مقتل السيد درويش البحر، السكندري المولود في 17 مارس 1892، لليوم، لغزًا تدور حوله الأقاويل دون أدلة تشريعية، أو جنائية واضحة، يُضاف لألغاز عامل البناء، الذي ذاع صيته على مقاهي الإسكندرية، فاستمع له أمين وسليم عطا الله، ليدخلوه عالم الفن، ويغني للعمال والكادحين، ومنهم للثورة وللوطنية، لتصبح أغنيته “بلادي بلادي” هي النشيد الوطني لمصر.