فاتن الوكيل
الفن لا يعرف حواجز الإعاقة. لكنه يختار بعناية الأشخاص الذين يلتصق بهم طوال حياتهم، يُحولهم إلى مصدر للنور والأمل والجمال. يُعبّرون بصوتهم وفنهم وألحانهم عن عالم أجمل من الذي نراه، هم فقط يعرفون ملامحه، ويحاولون بقدر المستطاع أن يمنحونا إما لحنا أو أداء نظل نتعلق به لفترة طويلة.
خلال الأيام الأخيرة، انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي، فيديو يظهر خلاله شيخ أزهري كفيف، يقف على مسرح دار الأوبرا وسط عازفي “باند” كايرو ستيبس. وصحب الفيديو تعليق “كفيف آخر يسحب المبصرين في رحلة إلى السماء”.
الفيديو تعدى فكرة التعريف بصوت قوي لأحد المنشدين، إلى استعادة نموذج الفنان الكفيف الذي يكسر قيود إعاقته ليثبت نفسه داخل مجتمع اعتاد الاحتفاء بالفن الجيد حتى وإن جار على ذوقه الزمان. وهو ما ظهر من التعليقات التي تذكرت فنانينا من أصحاب هذه “المنحة” الربانية. لذلك نستعرض أبرز الفنانين الذين تحدوا إعاقة فقدان البصر واستطاعوا إثبات موهبتهم.
إيهاب يونس
البداية مع صاحب الفيديو الذي لاقى انتشارا كبيرا على مواقع التواصل الاجتماعي خلال الأيام القليلة الماضية. حيث تخرج إيهاب يونس من كلية أصول الدين قسم دعوة وثقافة إسلامية بجامعة الأزهر، ويعمل منشدا منذ 13 عاما.
تولى منصب مدير مدرسة تعليم الإنشاد الديني التابعة لنقابة الإنشاد الديني والمبتهلين، كما أسس فرقة إنشاد خاصة به. يؤكد أنه تربى على إنشاد الشيخ علي محمود والشيخ طه الفشني والشيخ محمد الفيومي، كما عمل في بطانة بعض الشيوخ مثل ممدوح عبد الجليل والشيخ محمد الهلباوي والشيخ سيد محمد حسن.
عام 2009 اتجه إلى سوريا لإعجابه بحب السوريين للإنشاد في كل وقت، حيث ينتشر الإنشاد في الأفراح والمآتم على حد سواء، وأقام حفلا في سوريا، لتصبح أولى حفلاته خارج مصر، كما التقى الشيخ حمزة شكور رئيس رابطة المنشدين في سوريا، بالإضافة إلى عدد آخر من المنشدين السورين الذين التقاهم خلال الـ 40 يوما التي قضاها هناك.
أحيا حفلا عام 2010 في المركز الثقافي الإسباني في سوريا بعدها أحيا العديد من الحفلات في بيروت وفرنسا وبلجيكا.
يذكر أن باند “كايرو ستيبس” الذي ظهر معه إيهاب يونس في حفل دار الأوبرا، هو باند ألماني ذي أصول مصرية، وضع حجر أساسه الموسيقي المصري وعازف العود باسم درويش منذ أكثر من 14 سنة، مع الموسيقي الألماني ماتياس فراي، والمايسترو سباستيان مولير. ومن أبرز مقطوعاته “سيوة”، و”ألف”، و”ذكريات”.
سيد مكاوي
أكد الملحن الراحل، الشيخ سيد مكاوي، خلال لقاء تلفزيوني سابق مع الإعلامي طارق حبيب، أنه الملحن الوحيد الذي كرمته السيدة أم كلثوم على المسرح خلال إحدى حفلاتها. قالها بفخر وحب كبير لكوكب الشرق، لكن ذلك لم يمنعه من الشكوى من بعض المصاعب التي صاحبته منذ صغره، وتواجه جميع الملحنين والفنانين بشكل عام.
بدأ الفن في عام 17 عام، كمغنيا للتراث القديم، مثل أغاني عبده الحمولي ومحمد عثمان. أول أغنية قدمها من ألحانه غنتها ليلى مراد وهي “حكايتنا إحنا الاتنين”.
https://www.youtube.com/watch?v=d23InEEkUQQ
لحن موسيقى أفلام “عودة الابن الضال” و”الزوجة الثانية”، و”حسن وماريكا”، كما لحن مئات الأغاني، وكون هو والشاعر صلاح جاهين ثنائيا متميزا، حيث لحن رباعيات جاهن بالإضافة إلى وضع لحن أوبريت “الليلة الكبيرة”.
لا يُحب سيد مكاوي “الزعيق” في الأغاني الوطنية، مؤكدا أنه فضل خلال العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 أن يخرج وسط هذا الزعيق بأغنية “الأرض بتتكلم عربي”، مشيرا إلى أن الصوت العالي لا يعبر عن الصدق الوطني.
https://www.youtube.com/watch?v=rGjKM_9VA2E
الشيخ إمام
تشعر وأنت تسمعه أنه حوّل كامل غضبه من فقدان البصر الذي أصابه في عامه الأول نتيجة الجهل، بعد علاج مرض الرمد الذي أصابه، ببعض الوصفات المنزلية التي أتت على باقي النور الذي رأى به العالم “طشاش”، إلى فن وثورة وتمرد.
اسمه الحقيقي إمام محمد أحمد عيسى، ولد في 2 يوليو 1918. وكالعديد من الملحنين القدامى، عرف “إمام” حب الفن والغناء من الإنشاد الديني، ومن صوت المقرئين أثناء تلاوة القرآن. أما الروح الثورية التي تشربها “إمام” كانت بدايتها مع فصله من الجمعية الشرعية بأبي النمرس، لإصراره على كسر قوانينها الظالمة بمنع سماع الراديو على اعتباره “بدعة”!.
بالرغم من أنه تعرف على العديد من الشخصيات الفنية من ملحنين وعازفي عود وشعراء، إلا أن لقاءه بالشاعر أحمد فؤاد نجم، عام 1962، مكان بداية مشوار آخر من الخلود الفني في الوجدان المصري، حيث لحن وغنى معه عشرات الألحان مثل “يعيش أهل بلدي”، و”مصر يمة يا بهية”، و”شيد قصورك”، وغيرهم، لكنه مع هذا النجاح لم تقتصر أغانيه على أشعار نجم فقط، حيث لحن لـ”سيد حجاب ونجيب سرور، وتوفيق زياد، وزين العابدين فؤاد”.
عمار الشريعي
إن لم تكن قادر على الرؤية، فأنت بالطبع مازلت قادرا على الإحساس، هذا بالضبط ما ينطبق على الفنان الراحل عمار الشريعي. الذي يعتبر المثال الأوضح لنجاح الموهبة بغض النظر عن باقي الظروف الصعبة، فلا يوجد بيت إلا ودخلته ألحان عمار الشريعي، ولا فنان موهوب إلا ولحن له أغنية.
الكلام عن “الشريعي” يبدو دائما مكررا ولا يعطه حقه مهما طال، لكن يكفي أن تعود إلى لقاءات الشريعي، حتى تستمتع بروحه المرحة، وسخريته من إعاقته “التي لم تعيقه يوما”، أو تُعيد سماع موسيقى تترات المسلسلات التي تحمل بصمته الخاصة.
غنى الشريعي بصوته في ثلاث أعمال وهم “البرئ” ورباعيات مسلسل “ريا وسكينة”، ورباعيات بمسلسل طه حسين، كما قدم عددا من البرامج الإذاعية والتلفزيونية مثل “غواص في بحر النغم” عام 1988، و”سهرة شريعي” على قناة “دريم”، و”مع عمار الشريعي” على راديو مصر، بالإضافة إلى “المسحراتي” على التلفزيون المصري.
https://www.youtube.com/watch?v=Y-gBxMnAQec
مصطفى سعيد
اشتهر صوته عقب انطلاق شرارة ثورة 25 يناير، حيث اشتهر بأغنية “يا مصر هانت وبانت” التي سبقت خلع الرئيس الأسبق حسني مبارك. لكن قبل ذلك، هناك سنوات جعلت هذه الموهبة تنضج، حتى قبل الثورة، فهو باحث موسيقي وعازف عود أيضا، ومؤسس فرقة “أصيل” للموسيقى الفصحى العربية.
“الموسيقى الفصحى”، هذا التعبير الغريب علينا أوضحه مصطفى عندما قال في حوار تلفزيوني سابق ببرنامج “بيت القصيد”، إنها الموسيقى التي تُطور نفسها بنفسها دون إدخال ألوان موسيقية أخرى عليها.
أشار إلى أنه لم يستخدم كلمة “الموسيقى الكلاسيكية”، لأنه أراد فقط ترجمة الكلمة إلى العربية، فوجد أن المرادف القريب إليها والذي يؤدي المعنى بالنسبة له هو “الفصحى”. مؤكدا أن الموسيقى هي ظاهرة لغوية وبالتالي ما ينطبق على اللغة ينطبق عليها أيضا.
لا يهمه كثيرا أن يستمع الناس إلى موسيقى القرن التاسع عشر والثامن عشر، لكنه يرغب أن يتقن الموسيقيين أنفسهم هذه الموسيقى، التي ستجعلهم ينتجون موسيقى عربية معاصرة لكنها “فصيحة” وأصلية، تُعبر عن المجتمع العربي لكن بأسس داخلية وليست “دخيلة”.
الشيخ سعيد حافظ
لا ينس أحد الشيخ الذي كان يصطحبه الفنان محمد الحلو في حفلاته، ليُطل على الجمهور بجملة غنائية واحدة “يا حبيبي كان زمان طلعة الورد بأوان .. بعد ما بان ورد خدك والله والربيع طول الزمان”. كان التصفيق الذي يملأ القاعة وهتافات “تاني تاني” موجهة إلى الشيخ سعيد حافظ. الذي يُلبي رغبتهم وسط سعادة من “الحلو”.
كانت هذه الأغنية هي الأكثر شهرة بالنسبة للشيخ الذي مرت الذكرى الأولى لرحيله في 4 يناير الجاري، حيث توفى قبل أن يُتم رحلته المقررة إلي المملكة المغربية في يناير 2016، لإحياء حفلات المولد النبوي الشريف على أن يعود لمصر الثلاثاء 5 يناير.
“حافظ” من مواليد مدينة القصاصين محافظة الاسماعيلية حيث ولد في التاسع من شهر اكتوبر لعام 1951، تعلم القرآن الكريم علي يد الشيخ محمد رشوان، وتعلم الإنشاد من حلقات المدائح النبوية وساعدته أسرته على ذلك.
https://www.youtube.com/watch?v=CruH3win6I0&spfreload=10