قبل عدة سنوات قررت أن أكتب مقالا عن عمنا سيد حجاب، كانت لدى مشكلة ما اختلطت بحيرة بدايات الطريق و عثرت على الحل فى سطر كتبه عم سيد فى إحدى الإغنيات، كانت نصيحة جاءت فى موعدها بالضبط، أعرف جيدا فضل الشعراء على تجربة الحياة و أعرف قيمة عم سيد قبل هذة اللحظة بكثير، لكن وجدتها مناسبة لأكتب فى حب هذا الشاعر الكبير، متأثرا بنصيحة قديمة لأحد الكتاب العالميين (ربما الكولومبى ماركيز) يطلب فيها أن أخبروا من تحبونهم بأنكم تحبونهم قبل أن تندموا على ضياع الفرصة ، أتذكر دائما ما قاله لى أستاذنا محمد المخزنجى عن كون الاعتراف بقيمة المبدعين الحقيقين عندنا يظل مؤجلا حتى رحيلهم أما الإعتراف نفسه فهو غالبا مجرد “هلولة تأبين”.
كتبت عن عم سيد و عن قيمة ما يزرعه دخل الوجدان المصرى طول الوقت من قيم و معانى و أفكار و وصايا و عن الونس العائلى الذى ارتبط بلمة العائلة أمام تتر الذى كتبه لمسلسلاتهم المفضلة، و عن الطبطبة التى كان يقدمها على هامش الحب و الفراق و الغربة، و استشهدت ببعض ما كتبه و كان من بينه أغنيات فيلم ” البرىء” ويبدو أننى توقفت عندها أكثر من غيرها، و تم نشر المقال.
صباح يوم النشر رن هاتفى فى الثامنة صباحا و كان واضحا أنها مكالمة قادمة من إحدى مدن القنال، قبل أن ألقى تحية الصباح قال لى المتصل ” أنا عبد الرحمن الأبنودى”، وفكرة أن يبدأ يومك بمكالمة من الخال الابنودى تؤدى إلى إحتباس فى الأحبال الصوتية مصحوبة بلعثمة عالية الصوت يغلب عليها الهذيان، أنهى الخال هذة الحالة سريعا و وجه الضربة القاضية قائلا “أنت مابتحبنيش” مصحوبة بتنويعات على هذة الفكرة لأننى نسبت أغنيات فيلم البرىء الرائعة إلى سيد حجاب داهسا تاريخه بمدرعة يقودها جندى مرتبك، حاولت عبثا أن أقول له أن خطأ كاتب صغير السن لن يغير تاريخ شاعر كبير و إنجازه و أن جهلى يمكن تجاوزه خصوصا و أن هناك مساحة لإصلاح الخطأ، فقال الخال بامتعاض و هو ينهى المكالمة ” لما نشوف”، بدأت المكالمة فى الفراش و عند انتهائها وجدتنى أقف ببنطلون البيجاما أمام باب الشقة حيث الشبكة فى أفضل أحوالها بما يسمح لى ألا أفوت اى كلمة مسح بها الخال كرامتى فهى شرف عظيم. ( بالمناسبة ظلت علاقتى بالخال متوترة لفترة طويلة رغم نشر التصحيح حتى توسط لى الشاعر ابراهيم داود وعبر هاتف داود كانت مكالمتى مع الخال هى الأرق أنهاها بدعوتى لزيارته قبل وفاته بقليل) .
وقفت أفكر كيف أفسدت صباح شاعر عظيم، ثم عظمت الغصة فى قلبى إذ أكتشفت أننى هذا الاحمق الواقف ببنطلون البيجاما قد أفسد صباح شاعرين كبيرين و ليس واحدا، فأنا أسمع أن العلاقة بينهما ليست على ما يرام أبدا وربما كان الأبنودى سيغفر لى إذ نسبت اغنياته إلى شاعر آخر غير عم سيد ومن المؤكد أن الحال بالمثل عند عم سيد، قلت لنفسى لابد أن أتصل بعم سيد لأعتذر له مقدما عن هذا الخطأ قبل أن يقرأه أو يخبره به أحد.
اتصلت به و قلت اسمى، قال صباح الفل ثم قال “ها؟ الابنودى كلمك و لا لسه؟” ثم ضحك فوقعت فى الضحك لدرجة أنستنى الكلام، ظللنا نضحك و أسمع صوت ضحكاته ثم صوت كحته، قال”كنت متاكد إنه مش هيعديها” قلت له” بهدلنى”، قال ماتزعلش ده شاعر و بيغير على شغله”.
حكى لى عن تلك الحساسية الموجودة بينهما نافيا أنه يعانى منها، و خمنت أنها حساسية لها علاقة بالمنافسة على محبة عمار الشريعى شريك كل منهما فى أهم مساحة يمكن أن يعبر من خلالها الشاعر عن قدراته و أفكاره و عن نفسه.. تترات المسلسلات الكبيرة، أنهيت المكالمة و كنت هذة المرة أقف فى الشرفة أستطعم صوت ضحكة عم سيد، بعدها رن الهاتف مرة أخرى و توقعت أن المتصل هذة المرة عم أحمد فؤاد نجم فى هذا الصباح غير المتوقع، لكنه كان عم سيد وقال ” نسيت أشكرك على المقال”.