نقلا عن المصري اليوم
الملايين تنتظر تتويج الفيلم التحفة «لالالاند» بالقسط الأكبر من الجوائز، ربما يصل إلى 11 من واقع 14 ترشيحًا، محققًا الرقم الذى وصل إليه «تيتانيك» قبل 19 عاماً، فلقد كان من نصيبه أيضاً 11 جائزة من أصل 24، وهى الفروع والعناصر لكل أنماط الفيلم السينمائى، علينا أن نترقب «لا لا لاند» التى تعنى أرض الأحلام، ملحوظة وبين قوسين، بينما يحقق هذا الفيلم أعلى الإيرادات فى العالم، لم يتجاوز الشباك فى دور العرض المصرية فيلم «القرموطى»، الفيلم سيتخطى فى الأيام القادمة حاجز الـ200 مليون دولار
نصف الرقم من أمريكا، بينما تكلفته لم تتجاوز 30 مليونًا، فى مصر وصلت إيراداته بالجنيه المصرى مليونًا فقط لا غير، وسوف نعود للتوقف عند «لا لا لاند»، بعد قليل، حيث شاهدته حتى الآن مرتين، الأولى فى مهرجان «دبى» والثانية فى القاهرة، ومن فرط جماله يدفعنى للمشاهدة الثالثة ولو كره المتشككون، حيث يعتبره البعض أخذ من الجوائز والترشيحات أكثر مما يستحق.
قبل أن أوغل أكثر فى «لالالاند»، أعلم أن الأوسكار القادم 26 فبراير الذى يحمل رقم «89»، فرصة لا تُعوض لكل ما هو سياسى وأيضاً طائفى وعنصرى، فهو ملعب لتصفية الحسابات، مزيج من كل تلك العناصر المتنافرة، ورغم ذلك سوف يُصبح المشهد السياسى هو العنوان، الذى سيراه فى أقل التوقعات ربع مليار، هذا الحدث التاريخى سيحقق كثافة مشاهدة تدخل الموسوعة، عبر كل تاريخ الأوسكار، الذى بدأ عام 1929، مجرد مسابقة لا تشغل بال سوى من يعيش فى لوس أنجلوس، ليصبح مع تعاقب السنوات هو الأكثر جاذبية ومصداقية وجماهيرية تشغل بال كل أرجاء المعمورة.
أتصور أن بداية الهجوم ضد ترامب لن تنتظر الصعود على المسرح، ستنطلق من السجادة الحمراء، ستصبح مثل طبول الحرب التى تمهد لبداية انطلاق النيران والتى بدأت فعلياً قبل نحو ثلاثة أسابيع منذ إعلان جوائز «الكرة الذهبية»، وبالطبع تناقل العالم ما حدث، والمعركة مع الرئيس المنتخب امتزجت فى الأهمية مع توزيع جوائز الفيلم الفائز «لا لا لاند» من أعضاء الهيئة المنظمة للمهرجان، وهم جمعية الصحافة الأجنبية، بينما ترامب يُعادى الأجانب والسود وذوى الاحتياجات الخاصة، فجاء الرد من المنصة فى كلمة ميرل ستريب، القسط الأكبر من النجوم حالياً يتوعدون ترامب بالانتقام، بينما هو بتركيبته العدوانية لم يستطع إطفاء النيران، يزيدها اشتعالاً بتصريحاته النارية، مرة يصف ميريل بأنها أخذت أكثر من حقها، وأخرى يتوجه إلى مادونا قائلاً إنها مثيرة للاشمئزار، ويصف دى نيرو بأنه ليس أينشتاين، انضم أيضاً إلى قائمة الغاضبين عدد من الفنانين خارج أمريكا، مثل الممثلة الإيرانية ترانة على دوستى التى قررت برغم ترشح فيلم «البائع» لجائزة أفضل فيلم أجنبى للمخرج أصغر فرهدى الذى سبق أن حصل على نفس الجائزة قبل خمس سنوات بفيلم «انفصال» ولكن بسبب موقف ترامب وقراره الأخير بتقييد السفر لأمريكا من عدد من الدول الإسلامية والعربية لجأت الممثلة الإيرانية لأبغض الحلال، وهو مقاطعة الحفل، رغم أن الحضور يتيح الفرصة الأكبر للرد، ودائرة الغاضبين تتسع مع الزمن، مثل أرنولد شوارزينجر وجورج كلونى ودى نيرو ومات ديمون وجينفر لورانس وشاكيرا وشير والمطرب ريكى مارتن وعارضة الأزياء هايدى كلوم والمخرج مايكل مور، سيتضاعف العدد فى مسرح «كوداك» عندما تجرى مراسم توزيع الأوسكار، ولا تنسَ أن عدداً من الإعلاميين نالهم الكثير، وردوا عليه وصاروا بعدها من المشاهير، مواقف ترامب تفتح شهية الجميع للدخول إلى أتون المعركة، ولكن علينا ألا نجعل السياسة تغتال الجمال.
«لا لا لاند» فيلم موسيقى غنائى يجمع بين التراجيديا والكوميديا فى إطار رومانسى، تأليف وإخراج داميان تشارل وبطولة رايان جوسلينج وإيما ستون، كان انطلاقه الأول من مهرجان «فينسيا» فى سبتمبر الماضى ورشح للأسد الذهبى ولكنه خرج خاوى الوفاض، بينما فى «الجولدن جلوب» حظى بجوائز سبع: التمثيل نساء ورجال، وسيناريو، وإخراج، وموسيقى، وأغنية أصلية، وفيلم موسيقى.
عازف موسيقى وممثلة كل منهما لم يتحقق ولكنه يملك طموحًا يدفعه لكى يصبح نفسه، البداية عند إشارة مرور تتعطل السيارات على مدخل «لا لا لاند»، وهى بداية مخادعة قائمة على المفاجأة، السيارات والموسيقى المصاحبة بل كل ملامح «الكادر» تعود بنا إلى زمن الستينيات من القرن الماضى ولكن عندما يتسع الكادر فى لقطة بانورامية نكتشف أننا نتحدث عن هذا الزمن، حيث تبدو أمامنا سيارات عصرية وموبايل حديث، وهو ليس فقط مشهداً افتتاحياً، ولكنه يُصبح بمثابة المفتاح الذى تشاهد من خلاله الفيلم، الطموح لممثلة تجرب كل الطرق لكى تتحقق بينما الفشل يطاردها، نتابعها تعمل نادلة فى إحدى الحانات، فهى تجرب حظها حتى تأتى الفرصة قبل النهاية لتصبح نجمة شهيرة، بينما هو يعشق موسيقى الجاز والتى نكتشف أنها تاريخياً انطلقت كدفقة خاصة عندما التقى عدد من مختلفى الجنسيات ولا تجمعهم لغة واحدة، فوجدوا أن التعبير الموسيقى هو الذى يفتح أمامهم باب التلاقى فاخترعوا الجاز، الشاشة تمنحنا عبق الستينيات، بكل مفرداتها البصرية والسمعية، القصة شاهدتها بالتأكيد عشرات المرات، بل من الممكن أن تتوقع أحداثها، السينما كلغة تُصبح الحبكة أو الحكاية مجرد نقطة انطلاق، سحر السينما يتجسد عند التعبير بكل المفردات المتاحة الحركة والتكوين والضوء والظل واللون والموسيقى والملابس والمكياج والمونتاج وغيرها، النهاية تأتى عندما تنجح البطلة وتصبح نجمة جماهيرية تملأ صورتها الدنيا، بينما يمتلك هو النادى الذى أصبح يحمل اسمه وحلمه، وهكذا يتجسد المعنى «لا لا لاند»، حيث يجمعهما فى النهاية الحلم المشترك فى المشهد الأخير، نعلم أنها تزوجت وأنجبت طفلًا وتتركه للذهاب للعشاء، وبالصدفة تدخل النادى وتستمع إليه بصحبة زوجها ونجد كلًا منهما يحلم بالآخر، وتتبدل القصة فيصبح هذا الطفل هو ابنهما، وبدلًا من زوجها نراه وهو يستمتع معها ويمسك يدها، وما لم يحققاه فى الحياة يتجسد فى الحلم الذى يكملانه ويتشاطرانه معًا، الواقع فى النهاية يفرض نفسه، فهى لا تكمل السهرة لتغادر النادى ولكن كان ينبغى من نظرة وداع متبادلة بينهما تقول كل شىء، والحياة تستمر هى تعود لزوجها وهو يُكمل العزف.. إنه فيلم يعيد إلينا بهجة الدنيا باللون والموسيقى والبسمة، وقبل كل ذلك بالومضة التى تدخل القلب.
القانون الواحد يسيطر على روح الفيلم الذى يجمع بين الحلم والواقع، حيث يتعانق فيه الصخب والهدوء، الضوء والظل، يأسرنا فى اللقطة الأولى بالغناء والرقص فى الصباح الباكر حتى اللقطة الأخيرة فى جنح الليل، وفى الحالتين عنوانه البهجة.
هذا هو فيلم الأوسكار الذى سيمسك صُناعه بالقسط الوافر من الجوائز فى نهاية فبراير، ولكن هل ينتصر سحر الإبداع على عنف السياسة، أظن أن «الميديا» ستتوقف أكثر أمام وابل نيران نجوم هوليوود التى ستصيب ترامب ولاشك هذه المرة فى مقتل!!.