في سياق خبر نشرته اليوم السابع أمس، بشأن التعديل الوزاري المنتظر عرضه على البرلمان، خلال الأيام القليلة القادمة، جاء أن بعضاً من علماء مصر بالخارج، قد دخلوا دائرة المرشحين لتولي حقائب التعليم والنقل والري، وهم د. هاني سويلم أستاذ التنمية المستدامة بجامعة أخن الألمانية، مرشحاً لوزارة التربية والتعليم، د. عبد الحليم عمر أستاذ هندسة النقل بجامعة كارلتون بكندا، مرشحاً لوزارة النقل،وأخيراً د. علاء الصادق أستاذ التخطيط وإدارة الموارد بجامعة الخليج بالبحرين، مرشحاً لوزارة الري، وأفاد الخبر أن التوجه نحو ترشيح هؤلاء ليس وليد اللحظة، وإنما يعود لديسمبر الماضي، حين شارك هؤلاء ضمن آخرين بمؤتمر علماء مصر بالخارج، والذي انعقد وقتها بالغردقة، تحت رعاية السيد عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية، ونظمته وزارة الهجرة والمصريين بالخارج،بالتعاون مع مجموعة قنوات النهار، خاصة وأن المؤتمر استعرض على مدار يومي انعقاده، عدة أوراق عمل، قدمها ثلاثون عالماً وخبيراً مصرياً من المقيمين بالخارج، في مجالات الطاقة المتجددة والصحة والتعليم والزراعة والنقل والمواصلات والري وغيرها.
سيرة نجاح هؤلاء لسنوات طويلة في الخارج، وإنجازاتهم المتعددة طوال مسيرة مشرفة هناك، كلها تؤيد نظرياً، فكرة الاستعانة بهم في مواقعنا التنفيذية هنا، أما من الناحية العملية، فأراها محل شك كبير، ومخاطرة أكبر!!.. والشك لا ولن يعود يوماً بطبيعة الحال إلى عدم الثقة في قدرات هؤلاء وغيرهم من المصريين أصحاب التفوق الاستثنائي في الخارج، وإنما يتلخص في التهلكة التي يخطط رئيس الحكومة ورفاقه لأن يلقوا بعلمائنا الأفذاذ فيها هنا، فكلنا يعلم أن المنظومة التي يعمل بها هؤلاء في الخارج، تعد أحد أهم عوامل نجاحهم المتميز هناك، في حين لا تعمل منظومتنا الحكومية الخربة على كافة المستويات هنا إلا على تحطيم الأكفاء المحليين منا من ذوي الخبرة والقدرة والإرادة، والذين يعد إنجازهم الأكبر أنهم نجحوا فنجوا بأنفسهم منها، رغم أنهم نتاج بعض من روافدها في الأساس، التعليم مثلاً!!.. أما المخاطرة، فتكمن في الحكم على تجربة الاستعانة بهؤلاء برمتها بالفشل حين يقع، في حين يعود أصل الموضوع فقط إلى خطأي التوقيت والكيفية.
فالوقت ليس مناسباً على الإطلاق لأن يكونوا وزراء، يكفينا الاستعانة بهم حالياً في الدوائر العليا لصنع القرار، لرفع الواقع وتحليله، ودراسة كيفية تطويره، ووضع الأولويات والخطط المناسبة، والبرامج الزمنية الواقعية لتنفيذها، فلا طريق لخروجالوطن من مأزقه سوى العلم أولاً، ولكن دون أن نلقي بهم في دوامات الجهاز الإداري للدولة، القائم في الأساس على بقاء الأوضاع على ما هي عليه، حفاظاً على مصالح شخصية، ومراكز قوى خفية، وصلت بالفساد إلى حد التمكين، وبالنفوسإلى حد التكهين!!..ونحن هنا لا نأتي بجديد، فالرئيس السيسي استعان بالفعل منذ توليه المسئولية ببعض علمائنا في الخارج، ونراهم طوال أكثر من عامين يعملون في صمت وفق هذا المنهج، وإن كنا لم نلمس بعد نتاج جهودهم على أرض الواقع،أو على الأقل بما يصادف توقعات قطاع كبير منا، وهو ما يدعونا إلى الصبر على هؤلاء، وإن أوشك على النفاذ، قبل أن نزيدهم بآخرينفي مواقع تنفيذية محاطة بألغام البيروقراطية على الطريقة المصرية الضاربة في أعماق التاريخ.
نصف النجاح يتلخص في وضع الشخص المناسب في المكان المناسب في الوقت المناسب، فمن إذاً يستطيع صنع الفارق، إذا كنا نعمل حالياً على تعديل وزاري،يأخذ دائماً وقتاً أكثر مما يستحق؟!..هؤلاء أصحاب التفوق الاستثنائي من المصريين بالداخل، وهم كثر، ولكن آلية الوصول إليهم لا تزال غائبة، وحتى من يتصدر المشهد منهم بنجاحاته، فيدخل دائرةالترشيحات كشخص مناسب في وقت مناسب، ترى أصحاب القرار نمطيين في اختيار المكان المناسب، والمثل هنا واضح في د. جابر نصار رئيس جامعة القاهرة، والذي يتردد اسمه بقوة مرشحاً لوزارة التعليم العالي، في حين أن النموذج هنا قد أعطاه بالفعل، وبما يسمح للآخرين بتكراره في بقية جامعاتنا، أما إذا كنا نتحدث عن الرؤية والقدرة والإرادة، نحو النجاح في ظروف غير عادية، وبطرق ومناهج غير تقليدية، بما يسهم في إعادة صياغة الشخصية المصرية، وفي القلب منها العقل المصري، فالمكان المناسب لجابرنصار هو وزارة التربية والتعليم، خاصةوأن لديه مشروع متكامل في هذا الشأن.. فمن يسمع؟!.