بين سطور رواية “جرسون” للكاتب باسم شرف الكثير من الشخصيات التى تشعر عندما تقابلها بين الصفحات أنها جميعاً تستحق التحليق لكنك تحتار من أولى بالطيران حتى عنان الرواية يا ترى ، تبحث عن البطل بينهم فتجد كل منهم يلقى لك ياسمينة من بين السطور فتتلقفها ظناً منك أنه البطل لكن بعد انتهاءك من هذا العمل المربك حد الدهشة و الذى يدغدغ روحك و يدوخك ستجد كفيك مملوءتين بالياسمين عندها فقط ستدرك أن بطل هذه الرواية هو باسم شرف نفسه رغم أنك لا تجد أى ملمح يشبهه فى أى من شخوصها لكنه و بلا أدنى شك قد نفخ فيهم من روحه .
يضع باسم شرف يده فى هذه الرواية على الكثير من الأمراض التى لا علاج لها فيتحسس مناطق الألم ثم ترتد إلينا صدى الصرخات المكتومة عبر أبطاله فنفزع و نصاب بالصدمة التى تجمدنا لدقائق تشبه الغياب عن الوعى ثم نعود منها أفضل حالاً بلا شك .
الصدمة التى يقدمها باسم شرف من الممكن أن تشفينا أو على أقل تقدير من الممكن أن تدلنا على أول طريق الشفاء بعد أن تضعنا أمام مرآة روحنا وجهاً لوجه مع أمراضنا المتوطنة فينا ، تنزع منا أنصاف الحقائق التى نقتات عليها ثم تستبدلها بوجهى الحقيقة الوجه القبيح و الوجه الأكثر قبحاً ، لم يخطر ببالى يوماً أن تشطرنى رواية إلى نصفين أو أن تسكب إناءاً من الثلج فوق رأسى فى ليلة شتوية باردة لا يعيننى على تمضيتها سوى مدفأتى الوحيدة تماماً كأبطال رواية جرسون ، يعتصرهم الإغتراب و يعتصر من يقرأهم .
لا يمكنك أن تجد الحياة بكل صورها و شخوصها فى رواية بقدر ما يمكنك أن تجدها بين طيات سطور رواية جرسون لباسم شرف ، هذه الرواية تلون وجه الحياة بالخجل و الخوف من كل ما اقترفت يداها ، فتجدها مكتظة بزحام الوجوه تذكرنا بأنفسنا فى كل مرة نقلب فيها صفحة من صفحاتها ، كما ستائر معلقة على نوافذ أرواحنا حين تسدل ننعم بالظل و الألفة و حين تفتح تجلب كل ما فى الخارج من غبار و ضجيج ، لذا و لكى لا تخدش وجاهة التفاصيل هذه الرواية عليك أن تعيش فى انتصارات أبطالها و خيباتهم فى صمت ، عليك أن تنهيها دون صوت و أن تقف تمجيداً لكل الأرواح العابرة فوق سطورها …
جرسون رواية من يجيدون إحتراف الوحدة و الصمت ، من يدركون رخاء العزلة و قيمة الحياة .