مينا فريد يكتب : أبطال أفريقيا... في العنصرية

(1)

في عام 1991 .. جرى عمرو دياب في إستاد القاهرة بقميص فضفاض أبيض في أسود مشجر …. و هو يقول .. ” بالحب إتجمعنا و الدنيا هتسمعنا و الليلة أول أعيادنا .. آدي طريق أمجادنا و آدي السمر ولادنا … و آدي القاهرة و آدي بلدنا”.

(2)

مبروك لمصر المركز الثاني في كأس الأمم الأفريقية ….أفريقية ؟ تخيّل نحن افارقة ؟ ننسى دائما أننا أفارقة عدا في المنافسات القارية الرياضية و لا أعلم لماذا !

إفريقيا ليست آكلي لحوم بشر و سحرة و رقصات و ألوان .. إفريقيا تاريخ و حاضر و مستقبل من الانسانية بكل ضعفها و قوتها …
أساسا هدف الرياضة هو تجميع الشعوب .. أي تجميع و أنت ترى أن الإفريقي لمجرد لون جلده أقل منك قيمة ؟

قبل المباراة النهائية وجدت كوميك ساخر يقول ” اللهم أحرق الفريق الاسود ذو القلب الأسود” و الكثير من ال ها ها ها
كم مشهد تتذكره فيه سخرية من أصحاب البشرة السمراء في مختلف الاعمال الدرامية و المسرحية و السينمائية ؟

“الزنوج” كما يطلق عليهم العامة كتصنيف عنصري بغيض مع الدعابات الحقيرة “متلمع بورنيش” ” بيشوفوك أزاي في الضلمة ” …. إلخ , لم أتعامل أبدا بمن في مثل طيبتهم و حبهم و تقديرهم لمصر … بدايات إحتكاكي معهم كان في الخليج .. قطاع كبير منهم من غانا و اثيوبيا و كينيا يعملون كسائقي تاكسي … أحب موسيقاهم التي يفخرون بسماعها عن طريق “فلاش ميموري” صغير يحتفظ كلا منهم بها في سيارته … أحب أحاديثهم و مشاركتنا في التعليق على مباريات كرة القدم … أحب بساطة أحلامهم و فخرهم ببلادهم رغم الفساد المنتشر و الحروب الأهلية.. أحب إيمانهم بزعامة مصر و اصالتها .. أحب حبهم لأبو تريكة و الحضري و أحمد حسن و صلاح ..أحب ثقتهم في بلادهم و أملهم رغم الظروف الصعبة .. يصفون لك جمال الطبيعة و سحرها و خير اراضيهم دائما حتى وددت في أن أشاهد هذه الأرض الطيبة …

ترى كم مصري يتحدث بصورة جيدة عن بلاده في غربته ؟

(3)

يوما ما -بالتحديد بعد ثلاثة ايام من حادث الكنيسة البطرسية – صادفت سائق أثيوبي و ركبت معه.. سألني هل أنا مصري ؟ فأكدت له .. لا أعلم كيف يميزون بيننا و بين السوريين و التونسيين.. غالبا الكرش … يومها إنطلق في الحديث معي كما الطفل و قال أنه بكى و بشدة بسبب ما حدث للأبرياء في البطرسية بدون ان يعلم ديانتي… قال لي بكل تأثر أنه يحب مصر.. يحب أن يسمع موسيقاها.. يحب البابا شنودة و يراه أعظم رجل دين له – كان أرثوذكسيا – … وكان يحب حسني مبارك .. حكى لي عن أخيه الذي يعمل في الاسكندرية في مطعم يوناني قديم.. حكى عن نوع نبيذ أحضره له من مصر ليس له مثيل و هو يحرك يديه بسعادة.. حكى و تكلم كثيرا عن مصر و عن المؤتمر الشهير ايام حكم محمد مرسي الذي تحدثوا فيه عن قصف بلادهم .. تكلم عن حلم بلاده في أن تملك بيوت بها كهرباء . .. ولا يتصور أن الجيش المصري القوي من الممكن أن يقتل شعب أثيوبيا الطيب لمجرد أنه يريد أن ينير بيته … تكلم بكل ثقة و طمأنني أن المصريين لن يحاربوا بعضهم أبدا و هم يحبون بلدهم أكثر من اي شعب آخر…. يومها أدركت أن الحديث طال و أنني أتكلم مع من هو اكثر وطنية مني.. حتى نسيت أننا تحت منزلي نتحدث و نحكي و نضحك ….

صديقي هذا الذي لا أعرف أسمه و غيره كثيرون دونت قصصهم كلها.. جعلني دائما أقول ” لا تقل بشرة سوداء .. قل قلب أبيض”
الحقيقة أننا نحتاج لتقارب اكثر مع أبناء قارتنا اصحاب البشرة السمراء … نحتاج لإيمان أكثر بأن ما يجمعنا أكثر من مجرد حدود قارية … نحتاج لأن نفهم أننا إن لم نحقق دور زعامة حقيقي و لم شمل أفريقي سيسبقنا من هم على خلاف سياسي حقيقي معنا … نحتاج لأن نرقى و نتوقف عن دعابات عنصرية تتعلق بلون البشرة .. و كفانا قائمة طويلة من التصنيفات العنصرية نعاني منها….

(4)

ربما حققنا المركز التاني في كرة القدم و لكننا في المركز الأول في منتخبات أفريقيا المشاركة كشعب عنصري ينسى أو يتناسى أن هناك شريحة كاملة من المصريين في جنوب الوادي أصحاب بشرة سمراء .. كم مرة صنّف المعلق و المحلل و المشاهد لقاء مع منتخب عربي بأنه لقاء الأشقاء ؟ كثيرا جدا … رغم أنني بعينيّ شاهدت مشاجرة دامية بين مصريين و مغاربة بعد نهاية مبارتنا معا .. كم مرة سمعت أحدهم يتحدث عن وحدة الأرض و ضرورة إقامة علاقات أساسها المحبة بيننا و بين الافارقة ؟ لم أسمعها ولا مرة ….. كم شعب شاهدته مثلنا يسخر من سود البشرة ؟ لنحترس الآن قبل أن نندم أشد الندم…

(5)

الحقيقة أن مصر افريقية قبل أن تكون عربية .. و قبل أن تكون قبطية…و يجب أن تكون هناك وحدة إفريقية مثل وحدة الإتحاد الأوروبي … وادي النيل قائم من آلاف السنين و هو يربط بيننا و بينهم .. علاقات تجارية جمعت بيننا و بينهم منذ عهد الفراعنة… قبل الأديان .. قبل اللغات … قبل أن نعرف حتى صحيح وضع النقاط فوق كلمة “أشقاء”..
تحيا مصر …في إفريقيا …
أقولك ؟ ..
ولا بالدين و لا باللون ..
و نقولها تاني .. بالحب إتجمعنا…

و لحكايات أفريقيا… بقية …