( 1 )
كان أول هتاف جماهيرى تشهده الملاعب المصرية يحمل إسم لاعب بعينه من نصيب حمادة إمام نجم الزمالك فى الستينات، وهتافه الشهير ” بص شوف حمادة بيعمل ايه ” بعدها توالت الهتافات للعديد من النجوم الكبار، محمود الخطيب، وزيزو، وحسن شحاتة، حتى جاء عصام الحضرى والذى اختصته الجماهير بهتاف من نوع خاص وأكثر قربًا وحميمية.
بدأت الحكاية عقب فوز الأهلى على الزمالك فى نهاية موسم 1997 وحسمه للقب الدورى، قرر الحضرى الإحتفال ببطولته الأولى مع الأهلى على طريقته الخاصة، فصعد فوق العارضة ليرقص، فتجاوب معه جمهور الأهلى وطالبه بالمزيد على وقع هتاف ” ارقص يا حضرى ” وهو الهتاف الذى خرج عفويًا فى وقتها، ثم أصبح بعد ذلك شعارًا جماهيريًا، وأيقونة، ومشهدًا ثابتًا متجددًا، يعقب كل انتصار مهم أو بطولة جديدة يحققها الحضرى مع فريقه.
ابن كفر البطيخ الذى ظل معتزًا بأصله، فتقبل هدية الجمهور له والتى جاءت على شكل ” بطيخة ” أصبحت مع الوقت جزءً ثابتًا فى طقوس احتفالاته لفترة ليست بالقصيرة، يأخذ ” البطيخة ” ويصعد فوق العارضة ليأكل منها ويرقص ويحتفل، فى مشهد غير مسبوق وجديد على الملاعب المصرية، وطريقة مبتكرة للاحتفال أصبحت مسجلة باسمه.
أما الهتاف فلم يعد قاصرًا على جمهور الأهلى فحسب، فمثلما لعب الحضرى للأهلى، ولعب لأهم منافسيه الزمالك والإسماعيلى، رقص أيضا لكل جماهير مصر عقب انتصاراته مع المنتخب. مر على هذه اللحظة ما يقرب من 20 عامًا لعب الحضرى خلالهم وتألق وزاد عن مرماه ببسالة، صنع أسطورته الشخصية وترك فى الملاعب بصمة وتاريخ غير قابل للنسيان، عشرون عامًا وما زال الهتاف الجماهيرى له مستمرًا ولم يتوقف، ولا توقف الحضرى عن الرقص.
( 2 )
فى بدايات عام النصر، عام 1973 وتحديدًا فى يوم 15 يناير جاء عصام كمال الدين الحضري، إلى الحياة فارتبط اسمه دائمًا بالانتصارات الكروية المذهلة، خرج من دمياط أكثر محافظة مصرية تقدس قيمة العمل وتجيد الصناعة فأصبح مثالاً للحرفية والإتقان والموهبة، اكتشفه فكرى صالح الضابط السابق بالقوات المسلحة ومدرب حراس مرمى المنتخب السابق ووداى دجلة حاليًا فظل طوال مسيرته منضبطًا لا يترك شيئًا للصدفة ويقاتل فى الملاعب وكأنه جندى يخوض معركته الأخيرة.
يبتسم له الحظ مرات، ويعانده فى مرات أخرى، يجيد ويتألق فى أغلب الأوقات، ويخطىء ويخفق فى بعضها، تحبه الجماهير، تكرهه، تهتف له،تسبه، تسانده، تطالبه بالاعتزال، يجىء ويذهب، يختفى، ويعود. يتغير كل شىء من حوله، وتتغير أحواله هو أيضا، ولكن يبقى الشىء الثابت أنه مازال موجودًا، ومازال يسير إلى الأمام، ويحقق ما يريد، وربما أكثر.
( 3 )
” أفضل خصم واجهته على الأطلاق طوال مسيرتى فى الملاعب “..ديديه دروجبا نجم منتخب كوت ديفوار، وتشيلسي السابق متحدثًا عن الحضري
(4 )
تألق الحضرى بشدة ولفت إليه الأنظار لدرجة أنه انضم إلى المنتخب فى إحدى معسكراته تحت قيادة محسن صالح عام 1995 وكان حينها ما زال لاعبـًا بنادى دمياط الذى ينافس فى دورى القسم الثانى قبل صعوده فى الموسم التالى للممتاز،
انضم الحضرى بعدها إلى المنتخب الأوليمبى مع الهولندى رود كرول ولعب أساسيًا أمام نيجيريا فى تصفيات أولمبياد أتلانتا 1996 خسر المنتخب فى لاجوس 3-2 وظل متقدمًا فى لقاء العودة بالقاهرة بهدف نظيف، كان كافيًا للصعود للأولمبياد ولكن نيجيريا خطفت هدفًا فى اللحظات الأخيرة لتصعد للأولمبياد، وتفوز على البرازيل والأرجنتين وتحقق الميدالية الذهبية فى كرة القدم لأول مرة فى تاريخ قارة أفريقيا، بقيادة كانو وأوكوشا وإيمانويل إيمونيكى نجم الزمالك السابق وبقية نجوم الجيل الاستثنائى للنسور الخضراء النيجيرية.
بكى الحضرى بعد الهزيمة ولكن حزنه لم يدم طويلا، فمندوبى الأهلى كانوا فى انتظاره، ولم يخرج من المعسكر إلا بعد توقيعه للقلعة الحمراء، ليحقق حلمه ويخرج منتصرًا رغم الهزيمة.
وانتقاله للأهلى تأجل عامًا كاملاً، لرغبة الحضرى فى اللعب موسمًا أخيرًا مع دمياط بعد صعوده للدورى الممتاز، وأيضا لرغبة الأهلى فى تركه يكتسب خبرات اللعب فى الدرجة الأولى قبل الانضمام للفريق، وأيضا لرغبة إدارة النادى فى تأجيل الصدام مع الحارس أحمد شوبير وإعطائه عامًا كاملاً كفرصة للتفكير بهدوء فى قرار الإعتزال.
( 5 )
من يشكك فى موهبة الحضرى عليه أن يتذكر مباراته التاريخية أمام المنتخب الإيطالى في كأس العالم للقارات 2009، والتي فاز بها الفراعنة بهدف .. فهو بكل بساطة قتل هجوم ” الأزورى “..مجلة ” So foot ” الفرنسية
( 6 )
ربما لا يتذكر البعض أن الحضرى الحارس التاريخى للمنتخب المصرى، كان فى يوم من الأيام، يمثل نقطة ضعف للفريق، أو على الأقل لا تثق الجماهير بقدرته على حماية عرين المنتخب، ولا تتفاءل بوجوده، فبعكس مسيرته الهادئة والمستقرة نوعًا ما مع الأهلى، كانت خطواته الأولى مع المنتخب متعثرة للغاية.
مباراته الدولية الأولى كان من الممكن جدًا أن تنهى مشواره مع المنتخب قبل أن يبدأ، فبعد الهزيمة من تونس بهدف نظيف فى تصفيات مونديال 1998 رحل الثنائى فاروق جعفر ومحمود الخطيب غير مأسوفًا عليهم، وعاد الجوهرى لقيادة المنتخب، وكانت مباراته الأولى أمام ليبيريا تمثل الأمل الأخير للمنتخب فى المنافسة على الصعود إلى كأس العالم.
عودة الجوهرى أعادت الأمل إلى الجماهير، فكانت الصدمة كبيرة بعد الخسارة بهدف لا يُنسى أبدًا للأسطورة جورج وايا، عندما خدع عصام الحضرى ووضع الكرة فى زاويته القريبة، بعد أن جعل الأخير يظن أنه سيلعبها عرضية، فخرج ليقابلها فوجدها بداخل شباكه، ليتعرض الحضرى لهجوم كاسح من الصحافة والجماهير ويُحَمله الجميع مسئولية الهزيمة، ولم يكن أمام الجوهرى إلا إعادته إلى دكة البدلاء وإعطاء الفرصة لنادر السيد الذى تألق وثبَّت أقدامه وجعل الأمور أصعب على الحضرى.
جاءت الفرصة للحضرى مرة أخرى بعد أكثر من عامين فى بطولة كأس العالم للقارات بالمكسيك 1999 ولكن كانت الكارثة أكبر من كارثة ليبيريا بالهزيمة من السعودية 5-1 وهى المباراة التى أطاحت بالجوهرى من منصبه، وجعلت الجميع يتيقن أن الحضرى لا يصلح لحراسة عرين المنتخب.
بعد هذه المباراة أصبحت علاقة الحضرى بالمنتخب معقدة، فهو ينضم دائمًا ولكنه لا يشارك بصفة أساسية إلا فى مناسبات قليلة، استمر هذا الحال ما يقرب من 7 أعوام حتى جاء عام 2006 وبدأ الحضرى يتحول إلى عملاق وحارس لا مثيل له، صنع أسطورته الشخصية التى أصبح العالم كله يتحدث عنها الآن، ويكون مصدر ثقة لجماهير لم تعد تذكر من الأساس أن الحضرى كان يومًا ما يمثل لها مصدرًا للقلق والخوف، فقد نجح فى مَحو هذه الصورة تمامًا، هذا ما فعله الحضرى بعد مشوار ملىء بالمعاناة والمثابرة، فإن لم يكن هذا هو النجاح بعينه فماذا عساه أن يكون ؟
( 7 )
” فلنقف جميعًا ولنصفق “.. الحارس الأسبانى الشهير إيكر كاسياس مُبديًا إعجابه بمستوى الحضرى ورغبته فى البقاء
بالملاعب حتى مونديال روسيا 2018.
( 8 )
الإصابة التى تعرض لها الثنائى أحمد الشناوى وشريف إكرامى فى بداية مشوار بطولة الجابون، والتى فتحت الطريق أمام الحضرى ليشارك أساسيًا ويواصل تألقه، لم تكن الواقعة الأولى من نوعها فى مسيرة الحضرى فهذا الموقف تكرر بطريقة أو بأخرى.
ففى أهم محطات عصام الحضرى كان يتدخل القدر ليعطيه فرصة المشاركة، ونجح فى كل مرة أن يثبت أنه الأجدر والأحق بها، فى بداية انضمامه إلى الأهلى رفض شوبير الإعتزال فجلس الحضرى احتياطيًا له، ولكن هذا لم يدُم سوى لمباراتين فقط، وفى الثالثة أُصيب شوبير إصابة بالغة فى كتفه فى مباراة الأهلى والمريخ البورسعيدى، وهى الإصابة التى أنهت مشواره فى الملاعب وأجبرته على الاعتزال، وفتحت الطريق أمام الحضرى ليبدأ مسيرته المنتَظرة مع الأهلى.
وقبل بطولة كأس الامم الأفريقية 2006 بالقاهرة، كان عبد الواحد السيد حارس الزمالك فى قمة مستواه، وكان الجميع يعلم أنه سيكون حارس المنتخب الأساسى فى هذه البطولة، ولكن مباراة ودية لمصر مع جنوب أفريقيا قبل انطلاقها ب 3 أيام فقط، يخسرها المنتخب 2-1 ويفاجىء عبد الواحد السيد الجميع بمستوى متواضع ويدخل مرماه هدفان من أخطاء ساذجة تجعل حسن شحاتة يقرر الإعتماد على الحضرى أساسيًا.
الذى يتمسك بالفرصة كلما جاءته بينما البعض يتكلم عن استخدامه للسحر حتى اشتهر بلقب ” جامايكا ” أغلب الناس تقولها على سبيل المزاح، والبعض يصدق هذه الأقاويل، بينما الحضرى نفسه يؤكد عدم انزعاجه من ترديد مثل هذا الكلام ويعلق مبتسمًا ” ياريت جامايكا يوصلنا كأس العالم ”
( 9 )
الحضرى نموذج للإصرار والتحدى لكل الأجيال الحالية والقادمة، فهو مازال مُصرًا على تحقيق حلمه فى الوصول مع منتخب مصر لكأس العالم 2018، ويضع فى غرفته بمنزله والنادى شعار كأس العالم، فما يفعله الحضرى يعنى أنه لا مستحيل أمامنا طالما نتمتع بالإرادة والعزيمة ومن قبلهما الثقة والإيمان…فكرى صالح مدرب حراس مرمى بنادى وادى دجلة.
( 10 )
ليس سوى أن تريد
أنت فارس هذا الزمان الوحيد
وسواك المسوخ.
أبيات شعر شهيرة للشاعر الكبير الراحل أمل دنقل، ربما لا يعرفها الحضرى ولم يسمع بها، ولكنها تعبر عنه وتلخص مشواره كله بكلمة الإرادة، فعندما أراد الحضرى كان بالفعل هو الفارس الوحيد والأوحد ولكل الأزمنة فقد أخذ زمنه وزمن غيره، ومازال يحلم بالمزيد رغم بلوغه عامه الـ 44 فهو رجل كل العصور الذى حطم كل الأرقام القياسية، وأصبح الآن يلعب بجوار لاعبين فى عمر أبنائه، ويواصل العطاء بإرادة وإصرار ورغبة فى الإستمرار.
فبعد الخسارة فى النهائى من الكاميرون وضياع حلمه فى التتويج باللقب الشخصى الخامس بكأس الأمم، وفى أن يحمل الكأس للمرة الأولى كقائد للمنتخب فى مشهد كان سيجعل العالم كله يتحدث عن أسطورته لسنوات، لكنه وبروح لا تيأس خرج بعد المباراة ليؤكد استمراه فى الملاعب حتى يحقق حلمه باللعب فى كأس العالم، حلمه الأخير والذى أثق فى أنه لن يتنازل بسهولة عن تحقيقه.
( 11 )
” عصام الحضرى أسطورة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، لا يخذلنا أبدًا ويظهر دائمًا فى الأوقات الصعبة “.. أحمد ناجي مدرب حراس مرمى منتخب مصر.
( 12 )
فى 2008 عاد الحضري من غانا بطلاً مُتوجًا بعد فوزه مع المنتخب بكأس الأمم للمرة الثانية على التوالى، بعدها بأيام قليلة وتحديدًا يوم 21 فبراير، خاض مباراته الأولى مع الأهلى بعد العودة من غانا أمام المصرى البورسعيدى على استاد القاهرة، لم يكن أحد يتخيل وقتها أنها ستكون المباراة الأخيرة للحضرى مع الأهلى.
ففى صباح اليوم التالى انقلبت الدنيا بعد خبر هروبه إلى سويسرا للاحتراف فى نادى سيون، أصبح حديث الساعة وتدخل الرئيس مبارك بنفسه وابنيه جمال وعلاء كما قيل وقتها، وأجبروا الحضرى على العودة حتى تهدأ ثورة الجماهير، وعاد الحضرى بالفعل ولكن الأمور كانت قد وصلت إلى طريق مسدود مع الأهلى الذى رفض عودته إلى التدريب مع الفريق، وعاقبه بالإيقاف والتدريب منفردًا، فشعر الحضرى أنه أصبح شخصًا غير مرغوب فى وجوده، ولم يعد أمامه إلا العودة مرة أخرى إلى سويسرا.
بدأت هذه الأزمة بسبب صدام الحضرى مع المدرب البرتغالى مانويل جوزيه الذى سحب منه شارة قيادة الفريق، وكان يتعمد إهانته أمام اللاعبين على حد وصف الحضرى نفسه، صدام استمر لسنوات لدرجة أن جوزيه جاء بنادر السيد للأهلى كمحاولة لإنهاء مسيرة الحضرى مع الفريق، ولكن ما حدث هو العكس فكانت هذه هى نهاية نادر السيد، وبداية تألق جديدة للحضرى، ظلت النار تحت الرماد وتعاملت معها إدارة النادى بسلبية حتى وصلت الأمور إلى نقطة اللا عودة بهروب الحضرى.
9 أعوام كاملة مرت على هذه الأزمة، لم يستقر الحضرى خلالهم فى أى نادى، فمن سويسرا إلى الإسماعيلى إلى الزمالك إلى المريخ السودانى للاتحاد السكندرى لوادى دجلة للإسماعيلى ثم العودة لدجلة مرة أخرى، وكأنه مازال يبحث عن شئ ما تركه بالأهلى ولم يجده فى أى مكان غيره، ومازال يحلم بالعودة إليه.
وهى الرغبة التى أعلنها مرة أخرى بعد مباراة بوركينا فاسو عندما قال ” العودة للأهلى ستساوى فرحتى بالتتويج ببطولة أفريقيا ” لم يُتوج الحضرى بالبطولة رغم اقترابه منها، ويبدو أنه لن يعود أيضا إلى الأهلى، رغم أنها ستكون نهاية يستحقها وختام يليق بمشواره الاستثنائى، لو حدث وعاد بالفعل إلى النادى الذى أحبه الحضرى وأعطاه كل شىء.
( 13 )
فبراير 2002 .. الأهلى يواجه كايزر تشيفز الجنوب أفريقى باستاد القاهرة فى مباراة كأس السوبر الأفريقى، الأهلى متقدم بهدفين لهدف ، يحتسب الحكم فاول للأهلى على حدود منطقة جزائه، يخرج الحضرى ليسدد الكرة، يجد الحارس متقدمًا عن مرماه فيلعبها قوية فى اتجاه المرمى، رغم المسافة البعيدة جدًا، ترتطم الكرة بالعارضة ثم تصطدم بجسد الحارس فى أثناء عودته لمرماه.
وتسكن الشباك معلنة عن هدف بأقدام الحضرى، وسط فرحة واستغراب وعدم تصديق من الجماهير، سجل الحضرى هدفًا وهو الأمر الذى لم يسبقه إليه أى حارس مرمى فى تاريخ الكرة المصرية، ولكنه لم يكن الأمر الوحيد الذى يميز الحضرى عن غيره من الحراس العظام، فالحضرى كله على بعضه شخص غير مسبوق فى تاريخ كرة القدم بمصر وأفريقيا.
( 14 )
” الحضرى هو أفضل حارس مرمى شاهدته فى حياتى، فقد منع مهاجمينا من تسجيل أى هدف، وأثبت موهبة خاصة فى حراسة المرمى على الرغم من أننى لم أسمع به من قبل”..جانلويجي بوفون حارس مرمى يوفنتس والمنتخب الإيطالي.
( 15 )
مر العديد من الحراس العظام على ملاعبنا، مثل إكرامى وثابت البطل وشوبير وعادل المأمور، وأسماء أخرى عديدة، لم تجد الجماهير بينهم من يستحق أن تعطيه لقب السد العالى سوى عصام الحضرى، والألقاب لا تأتى بالصدفة أو اعتباطًا فوعى الجماهير دائمًا ما يعطى لكل لاعب اللقب الذى يستحقه تمامًا.
فإذا كان السد العالى يمثل قيمة كبرى وثابتة فى وجدان ومشاعر المصريين، فعصام الحضرى أيضا له مكانة خاصة فى قلوب جماهيره ومُحبيه، فإذا كان الهدف من بناء السد العالى هو المحافظة على المياه ومنع الفيضان، فهدف الحضرى هو المحافظة على الشباك ومنع دخول الأهداف.
السد العالى هو سد مبنى من التراب والصخور، وفى أوسطه طين ومغطى بخرسانة، والحضرى أيضا بُنِى من تراب البلد وصخورها والتى لطالما لعب فى شوارعها صغيرًا، ويحمل فى أعماقه طين الأرض الطيبة وأصالة أهل الأرياف، ومغطى بخرسانة الإرادة وجرانيت العزيمة، السد العالى بناء يمثل وجوده انتصار على قوانين الطبيعة، والحضرى بما يفعله واستمراره فى الملاعب حتى هذه اللحظة يكرر نفس الإنتصار على كل قوانين الطبيعة، هو السد العالى ولا أحد غيره.
( 16 )
” الكورة هى اللى عملت عصام الحضري ولازم اصونها لحد آخر يوم “..عصام الحضري.
( 17 )
بعد مباراة غانا فى نوفمبر الماضي بتصفيات كأس العالم وفوز منتخب مصر بهدفين بكى الحضرى وبرر ذلك بأنها الرقصة الأولى له أمام جمهور مصرى بعد غياب 8 سنوات منذ رحيله عن الأهلى.
عاد هتاف ” ارقص يا حضرى ” ليرج جنبات ملعب برج العرب وقد ظن الكثيرون أن الهتاف وصاحبه قد انتهوا إلى الأبد. لا يتعامل الحضرى مع هذه الرقصة كمجرد احتفال عادى يعقب أى انتصار مهم، ولكنها جزء أصيل من شخصيته وتاريخه وأسطورته فى الملاعب، وعلامة على بقائه وقدرته على الإستمرار.
تهتف له الجماهير تطالبه بالرقص فيشعر بأنه يملك العالم كله فى هذه اللحظة التى لا ينساها الحضرى أبدا، فما زال يذكر كل مرة صعد فيها فوق العارضة ليرقص مع الجماهير ويقول عنها : أدَيت رقصتى الشهيرة مع الجماهير 37 مرة 20 مرة مع الأهلى و 6 مع المنتخب ومرة مع سيون و 4 مرات مع المريخ السودانى.
لا أعلم متى ستكون رقصته الأخيرة، فربما تكون احتفالًا بوصولنا إلى كأس العالم، أو تكون هناك فى روسيا، أو مع الأهلى إذا حدث ما يحلم به وعاد إلى صفوفه مرة أخرى، لا أعلم متى وأين ستكون، ولكن ما أثق به تمامًا أن مشوار الحضرى فى الملاعب لم يصل إلى محطته النهائية ورقصته الأخيرة لم يأتِ أوانها بعد.