استكان تماما بوجهه الأسمر وشعره الأسود الذي مشطه بسذاجة وبراءة..ترى فيما كان يفكر وهو يخرج من بيته في هذا اليوم، قطعا كان يتخيل ـ مثلما أخي ـ أنه أصبح أكثر وسامة وأن شعره المنسحب على جبينه يزيد طلته بريقا في أعين فتيات الشارع، لكنه ذهب الآن.. كيف تحتضن أما ابنها الميت؟!
في سُنة الموت الجديدة حتى لم يعد مسموحا للأمهات بضم أجساد صغارهن الهامدة، لم يعد مسموحا سوي بمتابعة ما يقوله الابن بقلبه وهو يصارع قاتليه، أوهو مقيدا في انتظار ناحريه، أو وهو ضاحاكا تماما في انتظار قانصيه، أو تصوّر هيئته قبل أن يفارق دنيته، وهو يتحضر لتقديم الإذاعة المدرسية، أو وهو يوشك أن يقول نشيد الصباح.
هل كانوا يحاربون؟، إذن لماذا نقتلهم؟، أخي أيضا يلعب الكرة، ويحب نجومها، ويرغب في رؤيتهم مباشرة بالملعب، آخرون في مثل سنه كذلك يتمنون التفوق الدراسي، ولديهم حماس السفر خارج الحدود بحثا عن دنيا أفضل قليلا. أمي أيضا لا تملك الخيال الذي يؤهلها لاستقبال فجيعة أن يصاب ابنها بمكروه مثل هذا ـ لاقدر الله ـ، الأمهات في العالم كله يبعدن عن خيالهن مصائب الأبناء، لكنها تحدث بمنتهى القسوة.
الصغار الحالمون ليس لهم مكان هنا، هذا ما تقوله عيون أمهات الضحايا وهذا ما تقوله الوجوه الزرقاء المختنقة التي كان يقاوم أصحابها لتشجيع فريقهم المفضل، متمنين فقط ضحكة صافية وفرحة بهدف يسجله لاعب موهوب “ما أصغرها من أمنية” ـ لكنها لن تحقق يا من تشبه أخي ـ، وهذا أيضا ما يقوله وجه ذلك الشاب الذي كان حالما جدا، فقط قبل أن يلقى ربه مذبوحا.. إنها وسامة الفراق، ووسامة البسطاء التي لم تدعمها سوى لسعة الشمس التي لوحت الوجه ـ بالطبع عن غير رضا ـ.
الشاب الذي لايزال يشبه أخي، موجود في كل مذبحة، إنه بطل كل المذابح أصلا، ربما البطل الوحيد، فالصغار، والأشد ضعفا، هم من يدخلون كل المعارك دون قصد، وغالبا لا يخرجون منها في الحقيقة، الصور المتناثرة حولنا في الصحف وفي مواقع الأخبار وفي مواقع التواصل الاجتماعي وعلى حوائط البيوت المتهالكة لأسر هم، توثق بجبروت لمراحل موت “الولد”.
اقرأ أيضًا:
عكاشة: داعش دبحت الحلاقيين في العراق
“الأزهر”: مشاهدة فيديوهات “داعش” حرام
السيسي يجري حوارًا تليفزيونيًا مع “Europe1″
السيسي : مصر تحتفظ لنفسها بحق الرد على جريمة داعش