نقلاً عن “المصري اليوم”
من الواضح أن هناك حالة من التشفى صاحبت هبوط مؤشر جماهيرية محمد رمضان فى فيلمه الأخير (آخر ديك فى مصر)، خذله شباك التذاكر فأصبح إعلان سقوطه كنجم جماهيرى يستند إلى حقيقة رقمية يستطيع الجميع الركون إليها، الفيلم لا شك متواضع فنيا، كما أن رمضان كممثل هذه المرة فى أسوأ حالاته، إلا أن كل ذلك لا يعنى أن تلك هى إرهاصات نهاية نجم شباك، حقق فى السنوات الأخيرة درجات واضحة من التماس الجماهيرى فى السينما والمسرح والتليفزيون، لا يمكن التشكيك فيها أو التقليل من مردودها، فلايزال هو النجم الوحيد الذى تحتفظ عربات (التوك توك) فى خلفيتها بالعبارات التى ترددت فى مسلسليه (ابن حلال) و(الأسطورة)، وكأنه بتلك الكلمات يعبر عنهم، لقد وضعوا شريطا أسود على صورته فى رمضان الماضى فى عدد من المقاهى عند رحيل (رفاعى)، إحدى الشخصيتين اللتين كان يلعبهما فى (الأسطورة)، الذى كان يحلو للناس متابعته بالمقهى لأن الرؤية الجماعية تحقق قدرا أكبر من التوحد مع النجم.
فى غضون سنوات قليلة صار محمد رمضان هو النجم الجماهيرى فى الشارع، وتلك حقيقة رقمية لا يمكن الخلاف عليها، ولكن بالطبع ممكن تحليلها أو نعتها بكل الصفات السلبية، وفى الحالتين يجب التعامل معها وقراءتها بحياد. صعود نجم فى مرحلة زمنية يستحق الدراسة اجتماعيا وثقافيا واقتصاديا ونفسيا، فلا يُجمع الناس على فنان إلى تلك الدرجة ويلهثون وراءه إلا إذا كان يلبى حاجة ما أو يحقق حلما مجهضا يداعبهم لا شعوريا.
نجومية رمضان للشباك تحققت وهو لم يبلغ الثلاثين بعد، أغلب نجوم الألفية الثالثة عرفوها بعد أن تجاوزوا الثلاثين، أتابع رمضان منذ البدايات وتوقعت له النجاح والنجومية أيضا، إلا أن الاستحواذ الجماهيرى الذى حققه كان استثنائيا، ولا تستطيع أن تحيلها للموهبة فقط، بالتأكيد تلعب الموهبة دورا، ولكن ما هو خارج الموهبة هو الأكثر أهمية، لأن القائمة تتسع لعشرات الموهوبين فى كل المجالات، ولكن القدرة على الجذب الجماهيرى شىء آخر، فهى تتحقق بنسبة محدودة، محمود المليجى هو أفضل ممثل عرفته شاشة السينما، وأنا أطلقت عليه وصف (آدم السينما المصرية)، إلا أن النجومية كانت من نصيب تلميذه النجيب فريد شوقى.
هناك دائما عنصر فاعل ومؤثر يمنح النجومية عمرا أطول وهو التجدد والقراءة الصحيحة المبكرة لشفرة الجمهور، رمضان من الواضح يتحرك فى الحياة الفنية بقدر من التلقائية، إلا أن لديه، بين الحين والآخر، عينا يقظة من الممكن ألا تستسلم للشائع والمتعارف عليه، ولهذا مثلا لم يخضع للإيقاع الإنتاجى السائد منذ 20 عاما، والذى يقضى بأن النجم لديه فيلم كل عام، حتى يزيد درجة انتظار وشغف الجمهور، وأغلب نجومنا يطبقونه بدقة، راجع مثلا مشوار محمد هنيدى مع النجومية بعد عام 97، عندما شارك فى (إسماعيلية رايح جاى)، بعدها له كل عام فيلم بدأها (صعيدى فى الجامعة الأمريكية)، والكل صار يطبق نفس المعدل، بعضهم يغيب عاما واثنين ولا نجد له حضورا على الشاشة الفضية، بينما رمضان له على الخريطة أربعة أفلام فى 2017 بدأها بـ(الديك)، ولديه (جواب اعتقال) محمد سامى، و(الكنز) شريف عرفة جزأين، كما أنه لم يعد يفكر فى المضمون التجارى فقط، والدليل أنه تعاقد على فيلم (الحب) للمخرج داوود عبدالسيد، أى أنه لم يستسلم لهاجس شباك التذاكر وهذا يمنحه قدرة على أن يقدم سينما بأكثر من مذاق، وليس الأمر مجرد رهان مباشر على الإيرادات من الممكن أن يخطئ، وهو بالمناسبة كثيرا ما يخطئ.
فيلم (آخر ديك) أراه يتخذ هذا المنحى، فهو مصنوع على مقاس الشباك، أقصد هكذا أراد صُناعه، إلا أن المعادلة لم تنضبط، بل لعبت دورا طاردا للجمهور، السيناريو يستند إلى عامل السخرية من الزوجة عبر كل الأجيال، إلا أنه لم يستمر فى اللعب حتى الذروة، السيناريو الذى كتبه أيمن بهجت قمر ينتقل بين مختلف الحضارات والأزمنة والأماكن ليثبت فشل مشروع الزواج، وأن المرأة دائما لا يعنيها من الرجل سوى أنه يحقق لها الأمان المادى، وبعدها يتحول إلى ورقة (كلينيكس)، والمرأة هى لوحة (التنشين) فى هذا الفيلم، لدينا عدد من الأفلام مثلا تسخر من الحماة محليا وعالميا وتستمر حتى النهاية فى هذا الملعب، حيث إن هناك تعاقدا ضمنيا مع الجمهور على هذا النحو، ولكن الفيلم كان بداخله قدر من الخوف الاجتماعى، خاصة أننا نعيش فى عام المرأة، وهناك منظمات ومجالس عليا متخصصة تلعب دورا فى هذا المجال لا تسمح أبدا بالتهكم على المرأة، أظن أن تلك العوامل مجتمعة لعبت دورا سلبيا فى المعالجة الدرامية التى قدمها الفيلم، كما أن الكاتب لم يُطلق لخياله العنان فى المعالجة، فلم يلتقط سوى ما هو تقليدى وشائع، وكأنه يكرر المقرر السينمائى، ولا يجهد نفسه كثيرا فى البحث عن الجديد، حتى على مستوى الضحك المباشر، كان الفيلم فقيرا فى ضحكاته وقفشاته، فلم يقدم لنا تلك الحالة الساخرة التى تتطلبها مثل هذه الأفلام، المخرج عمرو عرفة لم يُجهد نفسه كثيرا ولا حتى قليلا فى تقديم معادل سينمائى موازٍ لتلك الحالة.
رمضان بالمناسبة ليس بعيدا عن الكوميديا، له مثلا (واحد صعيدى) لإسماعيل فاروق، برغم أن هذا الفيلم صوره رمضان عام 2010 واستكمله بعدها بأربع سنوات، وكانت هناك لقطات على الشاشة تفضح هذا الفارق الزمنى، وتلعب ضد مصداقيته، فيلم مطعون فى ذمته الفنية منذ اللحظة الأولى، ورغم ذلك كشف أن رمضان من الممكن أن ينجح فى الكوميديا أيضا، لو كانت هناك عين مخرج قادرة على توظيفه جيدا.
لا أتصور أن نجاح رمضان مرتبط بالعيد، وأفلامه لا تصمد خارج هذا السياق، جمهوره ليس فقط من يحمل فى يديه العيدية، إن كان لديه ولا شك علاقة وطيدة بهذا الجمهور الاستثنائى الذى يأتى للسينما فقط فى تلك المناسبات.
أرى رمضان نجم شباك حقيقيا وبداخله موهبة ممثل قادر على النضوج مع الزمن، ولديه قدرة على الجذب، وأظنه سيعبر سريعا هزيمته الرقمية والفنية فى (آخر ديك)، فهو سقطة مدوية ولا شك، ولكن لا تعنى أبدا أن نذبح رمضان ونلعب عليه (كلو بامية).