هالة منير بدير
“وقلت في نفسي : إن الخير والشر لا يتعاقبان على القلب كما يتعاقب الليل والنهار.. بل هما حاضران معاً في ذات اللحظة، كأن تفتح عينيك أو تغمضهما” ، “خريف، دماء وعشق” الرواية الصادرة عن دار دوَّن هي العمل الأدبي الثاني لهاو “الثلاثيات” الكاتب أحمد مدحت تُحكى على لسان ” مِرِي آخِت” ولي ولي عهد طيبة في جنوب مصر، والتي تُصارع نفسه الخيّرة المثالية واقعاً يفرض عليه التخلي عن الرحمة واللين للانجراف إلى العنف والتدمير والدم، برفقته ستستمع بحواره مع نفسه وإلى نفسه، حوار مُتَحيِّر ساحر آسر !..
القصة فرعونية تضعك في محيط المُلك والسلطان، وتدفيء قلبك حينما تقرأ عن إنبات برعم الحب في مهد الحاكم، ثم يُعتصر فؤادك عندما يحصد البطش والقسوة ذلك البرعم للإبقاء على قلب الفرعون صلباً خالياً من كل ما يجعله غضاً ليناً، أو يشغله عنن استتباب الحكم وتجنب الخلافات وقمع الاضطرابات، واختلاف صولجان الحاكم بين تثبيت أركان الأقاليم بتقديم جثث المناوئين كقربان، أو بالرخاء عن طريق كرامة العيش والعلم والعمل ..
الأسلوب أدبي يفيض بالمعاني، كثير المرادفات، كثيف التشبيهات، قد تبدو مقدمة الرواية صعبة بعض الشيء لغير هواة القراءة، أو مفاجئة لقراء رواية أحمد مدحت السابقة “ثلاثة فساتين لسهرة واحدة”، ولكن القاريء لا يلبث إلا أن يغوص في بهاء الرواية ببلاغة عباراتها، وجمال جُمَلِها، وسحر أسماء أبطالها وأسماء مدن مصر الفرعونية، وعُمق فلسفتها والحِكَم التي تزخر بها ..
نرشح لك – 7 تصريحات لأحمد مدحت حول روايته الجديدة “خريف، دماء وعشق”
سرد أحمد مدحت يحملك في عباب الزمن المقدَّس والتاريخ البعيد، لتذوق مجد المُلك، ودفء الحب، وقوة السيطرة، حتى تحطيم الآمال والهزيمة وويلات الحرب؛ يجعلك تتذوقها تارة وتتجرَّع مرارتها كؤوساً تارةً أخرى، يرسم لك موقع تصوير في بيئة فرعونية أصيلة، الشروق والغروب في وادي النيل، جنبات القصر والمعيشة الملكية، مواكب الفرعون والحرَّاس، مراكب الصَّيادين وأفراس النهر في مياه النيل المقدَّس، وصف المعارك والقتل، وصف طبيعة الأرض وأحاسيس البشر وما يجول بخاطر أهل مصر، عذب حين يكتب عن الحب العذري، حتى شهوة الجنس كان لها مكان محترمٌ راقٍ ..
قوام الرواية لوحة أدبية عن قسوة دروب السياسة ومتاهات الاحتجاج، ومغبة ظلم توزيع الغذاء وحصص المياه، ونقض العهود والمواثيق والمكائد وخطط الغدر، ودوامة الغل والانتقام، ويبرز في جنب من جنباتها الثورة، حتى كأنك تقرأ في أسبابها وكأنها أسباب ثورة أيامنا المعاصرة : (بخس الأجور، نهب مصادر الثروة، فساد منظومة العدل، تهالك البنية التحتية، إهمال وظلم حكام الأقاليم للفقراء والفلَّاحين)، يكتب عن اختلاف مفهوم الثورة بين الفوضى والرغبة في تحقيق العدل، واختلاف مفهوم ذلك العدل بين وجهة نظر الحاكم الجالس على عرشه، وبين شعب عانى من رحى القمع، حتى يقع الاقتتال بين أهل الإقليم “الحزب” الواحد، ويقع الحاكم في الحيرة بين الانتقام من المتمردين وبين العفو الشامل لينعم بمُلكٍ مستقر..
الغلاف يحمل صورة لإمرأة فرعونية بيضاء ممشوقة القوام تكشف عن ساقيها على شاطيء رملي بمحازاة مياه فيروزية تعكس على ما يبدو شروق شمس الخريف، وذلك كله مطبوع على ورقة صفراء قديمة مهترئة بفعل الزمن، وقد صَبَغ أعلاها إلى اليسار بقعة من دماء، ( تمصم الغلاف : كريم آدم ) ..
اقتباسات :
– ما دامت القوة موزَّعة بالتساوي بين متصارعين، فهذا يعني أن طائفة من الطوائف لن تستطيع أن تستأثر بالحكم المنظم المستقر، وما أسرع أن يكتشف المتصارعون أنهم لن يحكموا عندئذ سيكتفون بالتدمير والهدم..
– لِمَ نبحث دائماً عن راحتنا في الأمور المعقدة؟! ولِمَ تختار قلوبنا دائماً الطرق الشاقة؟! ولِمَ نضيع أعمارنا خلف ما لا يتاح إلا بعد أن نذوب في الصراعات التي لا تنتهي؟!..
– لا معنى للسرور طالما يتقهقر البدر كل شهر ويذبل بعد اكتمال حسنه !!
وكذلك هي الحياة .. فكأنها تقوم على الماء لا على الأرض، فيصير من المُحال أن نحتفظ بثباتنا وسرورنا إلى الأبد..