بينما تقرأ هذه السطور، يكون مجلس النواب يناقش في جلسة مغلقة، غير مذاعة على الهواء مباشرة، التعديل الوزاري الذي بعث به رئيس الوزراء المهندس شريف إسماعيل، في خطاب مغلق إلى الدكتور علي عبد العال رئيس مجلس الشعب، ومع بداية الجلسة، وفور التأكد من صحة انعقادها، يتم طرح التعديل على أعضاء المجلس، وذلك تمهيداً لمناقشته على مستوى اللجان ذات الصلة، وقبل التصويت عليه بالتمرير، أو إعادته لرئيس الحكومة برفضه كاملاً، أو مقروناً فقط ببعض التحفظات للتعديل والعرض على مجلس النواب مرة أخرى، تلك هي محصلة ما يقرب من ثلاثة أشهر من أجواء الإثارة والترقب والتكهنات، لا تجعلنا نستبشر خيراً بشأن تعديل وزاري، لن يكون سوى صفحة جديدة من نفس الكتاب، بعض الهوامش على الأمر برمته تؤيد رؤية نراها واقعية، بعيدأ عن حقائق التشاؤم، وهواجس التفاؤل.
آخر ما وصلنا من تكهنات الليلة الماضية، أن التعديل يدور حول عشر وزارات، أهمها الاستثمار والزراعة والتربية والتعليم، ونجت بنفسها وزارات المالية والصحة والسياحة، بينما تعمل تحت التهديد اليوم وزارات الأوقاف والنقل ووزارة سيادية لا نعلم عنها شيئاً، وفكرة دمج بعض الوزارات تم استبعادها تماماً في اللحظات الأخيرة!!.. من بين عشرات الأسماء المرشحة، جاءت استقالة الدكتور علي مصيلحي من رئاسة اللجنة الاقتصادية بمجلس النواب أمس، فأكدت لنا توليه حقيبة وزارة الاستثمار، ولا تسأل هنا عن منطقية الاستقالة قبل تمرير التعديل، وكأنه تحصيل حاصل على الأقل في هذه الحالة، ولا يتحجج أحد بأن الاستقالة الآن منطقية، باعتبار اللجنة الاقتصادية التي يرأسها الرجل في مجلس النواب، منوطة بمناقشة ترشيحات وزارة الاستثمار وهو مرشح لها، فيكفي في مثل هذه الحالات استبعاد المرشح عن اجتماع اللجنة رفعاً للحرج عن نفسه وعن الحاضرين.
الأيام الماضية حملت ضمن ما حملت، رفض السيد رئيس الجمهورية لبعض المرشحين، وأيضاً تحفظ الجهات الرقابية على البعض الآخر، وبالإضافة إلى اعتذار العديد من المرشحين عن عدم تولي المناصب الوزارية من الأساس، لماذا الرفض أو التحفظ أو الاعتذار؟!.. لا شيء يهم!!.. من أنا أو أنت أو غيرنا حتى يهتم أحد بتوضيح الأمور لنا؟!.. أسمعك تقول.. وزير جديد للاستثمار والوزيرة الحالية داليا خورشيد لم يمر عليها سوى عدة شهور قليلة في الوزارة؟!.. نعم.. هو كذلك!!.. أسمعك تعقب.. ألم يكن رئيس الحكومة شريف إسماعيل هو نفسه من اختارها للمنصب؟!.. نعم.. هو كذلك مرة أخرى!!.. تواصل دهشتك من استمرار وزيري الصحة والسياحة؟!.. واصل يا سيدي.. فالأمر لا علاقة له بمنظومة الصحة الخربة!!.. ولا بصناعة السياحة المتدهورة في دولة تصريحها الأشهر داخلياً وخارجياً أنها في حالة حرب!!.
لا يزال الإجيبتولوجي فاعلاً بقوة في حياتنا بشكل عام، وفي المقدمة منها حياتنا السياسية، نشكل الحكومات ونعدلها على طريقتنا، يختلف الأشخاص، وتتباين العهود، وتظل آلية اختيار الكفاءات غائبة، ليس فقط عن تشكيل الحكومة وتعديلاته، وإنما في كافة مواقع مؤسسات الدولة التنفيذية، أهل الثقة هم دائرة الاختيار، والتواصل الشخصي هو الأساس، والمسح الأمني هو المرجعية، صفحة جديدة من نفس الكتاب!!.. أستسمحك الآن، فأعود إلى عمل أنفع به نفسي وأهلي ووطني وما تيسر من مواطنيه، فقد أخذ التعديل الوزاري المرتقب ما يكفي من وقتي، ولم يفعل معي سوى استدعاء الرحمة، وقراءة الفاتحة، على روحي العملاقين أحمد رجب ومصطفى حسين، فقد عاشا وماتا، والوزارة لا تزال في المغارة!!.