تحذير: يحتوي المقال على بعض أحداث الفيلم SPOILER !
محمد رمضان في فيلمه الكوميدي الأخير “آخر ديك في مصر” هو شاب انفصل والديه ولقنه والده كُره النساء منذ صغره، وهي الفكرة التي اعتمد عليها المخرج في جلب الضحكات منذ أول لحظة في الفيلم باعتماده على الصورة النمطية للمرأة أو بالأخص الزوجة “النكدية والزنانة”، وفي الحقيقة كانت مشاهد فعلاً لطيفة ولم تضايقني شخصياً، فالطبيعي أن تبنى الكوميديا على فكرة المبالغة.
وتقوم حبكة الفيلم على سؤال هو “ماذا سيتغير في شخصية هذا الشاب لو وجد نفسه هو المسئول الأوحد عن كل نساء العائلة؟” وللإجابة على هذا السؤال لجأ المؤلف لحيلة غير منطقية هي أن يسافر البطل في رحلة مع كل رجال العائلة فتنتهي حياتهم جميعا غرقا في مكان ممتلأ بالتماسيح بينما ينجو البطل وحده، وهي المصادفة المقبولة أيضاً، لكن غير المفهوم هنا هو لماذا وافق هذا الشاب المتمرد على السفر لأسوان مع كل رجال العائلة بلامبرر قوي وهو الذي يرفض حتى حضور الزيارات العائلية البسيطة في منزل والدته التي قامت بدورها هالة صدقي.
وخلال رحلة الفيلم يتعرف البطل على حياة النساء ومشاعرهن و يتقرب بالفعل منهن ويبدو أنه فهم الكثير عنهن لدرجة جعلته أكثر تعاطفا معهن تدريجيا حتى يصل لنهاية الفيلم وقد تغيرت أفكاره تجاه النساء.
من ضمن ماغير أفكاره عن النساء هو معايشته لمشكلات كل النساء من حوله، وكذلك سماعه لاعترافتهن من خلال الفيلم التسجيلي القصير الذي تقوم شقيقته”انجي وجدان” بتصويره من أجل التقدم لمسابقة خاصة بإحدى الجمعيات النسائية، حيث تقول جدته فيه أنها ضحت بحلمها في أن تصبح مطربة بسبب حبها لجده الراحل، مما أثار مشاعر جميع من شاهد هذا الاعتراف البطولي النبيل من وجهة نظر صانعي الفيلم.
لم يقتصر الأمر على ترسيخ هذه الصورة النمطية المتعلقة بكون المرأة المضحية امرأة عظيمة، بل تعدى الأمر هذا، ففي أثناء الفيلم وأثناء معايشة البطل لمشكلات ابنة خالته الشابة “ملك قورة” يقوم بزيارة للجامعة التي تدرس فيها ليجدها مهددة بالفصل من الجامعة بسبب سوء سلوكها، وسوء سلوكها هذا ترجمه مخرج الفيلم في مشهد يجمعها برئيس الجامعة وهي واقفة شاعرة بالخزي، وحولها ثلاثة شباب يبدو أنهم قد تشاجروا مع بعضهم بسبب الفتاة الشابة، وطبعا المفهوم من المشهد أن الفتاة قد أغوت الفتيان الأبرياء، ورغم تهورهم والشجار الذي دار بينهم والمفترض أن يكونوا هم كشباب واعي مسئولين عنه ومسئولين عن تصرفاتهم عموما كأشخاص ناضجين، إلا أن الفتاة هي التي تتحمل اللوم بأنها السبب في المنظر الذي نراه على الشاشة فهي وفقا للمفهوم الشعبي الذكوري هي صانعة الفتنة أينما حلت، رغم أن الفيلم لم يوضح ماذا بالتحديد هو الجرم الذي ارتكبته الفتاة.
لم يقتصر الأمر على ذلك بل قرر رمضان أن “يستّرها” أو يزوجها كي يغطي على الفضيحة ولم يجد لها خطيب أفضل من صديقه اللعوب الذي قام بدوره “محمد سلام” والذي يقضي معظم أوقاته مع فتيات الليل، ولم يجد البطل غضاضة هنا في أن يقدمه كعريس مناسب لابنة خالته التي لا نعرف ماهو الذنب الذي ارتكبته في الفيلم، مساويا بذلك بين الفتاة التي تسببت في مشكلة بسيطة بين شباب الجامعة وبين الصديق الذي يقضي أوقاته مع “طوب الأرض” من النساء!
وينتهي الفيلم بأن يعترف البطل بعد عرض الفيلم التسجيلي الذي سجلته شقيقته، و أمام الجميع أن رأيه قد تغير تجاه النساء وأنه كان مخطئا في ظنه بهن في الماضي، وقام كذلك بشكر صديقته “مي عمر” التي وقفت بجانبه وبالتالي هي بنت جدعة والمفروض من وجهة نظره كما أخبر الجميع أن يكون اسمها “فلان أو علان” حيث ذكر عدة أسماء رجالية، إشارة إلى المفهوم المتداول في الشارع من كونها “بنت بميت راجل!” على أساس أنه إطراء تفرح به أية فتاة.
فالفتيات يعتبرن تشبيههن بالرجال نوعا من الإطراء، بينما العكس يعتبر نوعا من العار، وهو الأمر الذي أبرزه رمضان في معظم أعماله وآخرهم مسلسل الأسطورة الذي هدد فيه غريمه بأن يجعله يرتدي ملابس نسائية أمام الجميع كنوع من الإذلال!
في نفس الإطار قدم رمضان دور المصلح الاجتماعي في مسرحيته “أهلا رمضان” وهو البطل الذي يغير حياة مجموعة من الأشقاء للأفضل، ورغم أن المسرحية ممتعة بصريا، ورغم أن رمضان قد أجاد الأداء الكوميدي فيها، إلا أنه أبى أن ينهيها إلا بعد أن يقول حكمة تلخص القصة وهدفها، وهي أن المجتمع لن ينهض سوى برجاله الأقوياء ونساءه الشريفات!
فالرجل الصالح هو القوي المسيطر والناجح في عمله وبهذا يكون نافعا للمجتمع، بينما صفات المرأة التي ستنفع المجتمع مختزلة فقط في كونها امرأة شريفة بالمعنى الشعبي للشرف.
وهو يشير بذلك لمجموعة الأشقاء الذي أصلح حياتهم، وهم بالمناسبة شاب مدمن وآخر متطرف دينيا، بينما شقيقتهم الوحيدة لم تفعل شيئ مؤذي تقريبا سوى أنها كانت تحب شاب غير مناسب يقوم باستغلالها ماديا! فهل تستوي مشكلتها مع مصائب شقيقيها؟!
نفس الفكرة التي تبهرني في أعمال محمد رمضان، رغم اختلاف المؤلفين والمخرجين، فهل المشكلة في رمضان نفسه وقناعاته؟ أم أنه من الذكاء أن يتعمد نقل هذا الفكر حتى لو لم يقتنع به شخصيا، فقط لمغازلة الذوق الشعبي؟
وإن كان هذا الفكر مناسبا لجمهور مسلسل “الأسطورة” الذي يمثل الذوق الشعبي، وهو الذوق الذي يتجلى أيضا في الأغنيات الشعبية التي أحبها شخصيا بالمناسبة رغم بعض المعاني السيئة التي تروج لها، أو لنقل تنقلها كما هي بلا تنقيح من المجتمع التي تعبر عنه بصدق، إلا أن جمهور فيلم “آخر ديك في مصر” من المفترض أنه مختلف.. مما يجعل هذا الاتجاه الظاهر بوضوح في أعمال رمضان لغزا يستعصى على فهمي ويحتاج لمزيد من الدراسة لأعمال رمضان القادمة. ويبقى السؤال الأهم هنا هو هل دور الفنان مغازلة الذوق السائد لكسب المزيد من الجماهير فقط؟ أم محاولة الإسهام في تعديل هذا الذوق لما هو نافع لحركة تطور هذا المجتمع الذي وهبه هذا النجاح؟