فاتن الوكيل
بمناسبة عرض مسلسل “أنا وأنت وبابا في المشمش” على قناة “ماسبيرو زمان” وذلك يوميا في الساعة العاشرة مساءً، تعود إلينا مرة أخرى صورة الفنان الراحل حسن عابدين والنموذج الذي نفتقد مثله اليوم في الدراما المصرية. حيث لمع نجم “عابدين” وهو كبير نسبيا في السن، ولم يعش طويلا ليُحقق المزيد من الأعمال الدرامية التي يشهد الجميع بتميزها وجودتها.
ولد الفنان الراحل عام 1931 ورحل في نوفمبر 1989، وتنحصر سنوات النشاط الفني لعابدين بين 1972 وحتى عام وفاته، وهو ما يجعله حالة مميزة ومثيرة للتعاطف والفضول لمعرفة الخلطة السحرية التي جعلته يدخل قلوب المشاهدين سواء في أدواره الكوميدية أو التراجيدية على حد سواء.
الميزة.. إنسان عادي!
هذا هو أول انطباع يأخذه المشاهد عن الفنان حسن عابدين، أنه بالفعل “إنسان عادي” مثله مثل المشاهد على اختلاف شخصيته، هو الموظف البسيط الذي تظهر من تعبيرات وجهه ما يُقاسيه الموظف المصري من بيروقراطية وتعنت، وهو المدير المنضبط الذي يدخل في معارك مع الفساد بكوميدية أحيانا وواقع مأساوي في أغلب الأعمال، وهو الزوج المصري الذي كأغلب الأزواج حتى وإن حمل لأهل بيته الحنان والتفاهم و”البطيخة” أيضا أثناء عودته إلى المنزل، لا يخفي أبدا عيوب هذا الزوج المتسلط أحيانا والمنفعل بلا سبب.
إذا فهو حتى وإن قدّم على الشاشة شخصية أقرب إلى “رافع راية الفضيلة” فإنه حتما لا يصل إلى المثالية المصطنعة التي يملها المشاهد وينفر منها. ربما أن هذه الحالة الفريدة من النجومية تكون قد ظلمت موهبة حسن عابدين، فعلى قدر الأعمال “العلامات” التي قدمها، وقربه إلى المشاهد، نرى أنه ظُلم فنيا وإعلاميا، وأصبح من النادر ذكر مواهبه وحصرها في عدد من المسلسلات، على الرغم من تفوقه في ألوان التمثيل من دراما ومسرح وسينما.
وصية بخط اليد
كتب عابدين وصيته قبل وفاته بعدة أعوام حيث وقعها بتاريخ 16 ديسمبر 1987. تُظهر الوصية كم انه فعلا شخصية لا تعنيها التفاصيل الكثيرة و”بهرجة” الدنيا وما فيها، فكانت كل وصيته هي الدعاء والاهتمام بالأعمام والعمات.
وإليكم نص الوصية:
“وصيتي لكم أن تتقوا الله ما استطعتم وألا تنسوا للحظة أن الموت آت لا شك فيه وأن العمر لحظة وأن الدنيا وما فيها من متاع لا تساوى عند الله جناح بعوضه وأن من يتقي الله يجعل له مخرجًا.
أوصيكم بالصلاة والدوام عليها وأوصيكم بعمكم كمال كتير وكذلك عماتكم وأعمامكم، وأوصيكم بالا تحزنوا وواجهوا الحياة بكل قيم الإسلام وتسامحه.
أشهد الله أنى برئ من أي نواح أو بدعه.
أحبائي.. أتمنى أن تصلني دعواتكم وتأكدوا أنها ستصلني إن شاء الله”.
علامات فنية
بخلاف مسلسل “أنا وأنت وبابا في المشمش” الذي يُعرض الآن، فهناك العديد من العلامات الفنية المميزة في تاريخ حسن عابدين، والأهم أنها منوعة بشكل كبير يوحي بأهمية هذا الفنان متعدد الشخصيات. فبين خفة دمه في مسرحية “عش المجانين” بمساحة دور كبير تجعله بطلها بحق إلى جانب الفنان محمد نجم، إلى شخصية “خفيفة” لكن غير منسية في فيلم “ريا وسكينة” بطولة شريهان ويونس شلبي، حيث ظهر في دور كوميدي صغير جسد خلاله “المأمور” الذي يعاني من تسلط زوجته ذات الأصول التركية ويبحث عن عصابة خطف النساء الشهيرة. ولا يُنسى دوره السياسي أيضا في مسرحية “على الرصيف” بمشاركة الفنانة سهير البابلي.
https://www.youtube.com/watch?v=BXq02UOYBrc
مسلسلات مثل “فيه حاجة غلط”، و”أهلا أهلا بالسكان”، و”أنا وانت وبابا في المشمش”، ومن الأفلام “درب الهوى”، و”الأشقياء”، و”سترك يارب”، كلها أعمال اجتماعية تجمع أحيانا بين الكوميديا والتراجيديا، ونُشيده هنا على وجه الخصوص بدوره في فيلم “درب الهوى” الذي أنتج عام 1983، حيث تمكن “عابدين” بجدارة أن يُظهر تعقيدات شخصية “عبد الحفيظ باشا” الشخصية القوية التي يهابها الجميع، وبالرغم من ذلك تمكن بكل الكوميديا الطبيعية التي في شخصيته أن يُظهر الجانب الضعيف منه أمام فتيات الهوى.
الطرد من قبر النبي
كان لهذه الحادثة أثرا سيئا كبيرا على نفس حسن عابدين. ففي عام 1980 أثناء عرض مسرحية “عش المجانين” استغل عابدين إجازة قصيرة من المسرحية حتى يُتم أداء العمرة، وما أن اقترب من قبر الرسول حتى قام أحد الحراس بطرده قائلا “ابعدوا هذا الممثل”، وهو وما تسبب في بكائه وإعلان رغبته في الاعتزال، لكنه تراجع عن الفكرة عندما قام صديقه الفنان إبراهيم الشامي باصطحابه إلى الشيخ الشعراوي الذي حثه على الاستمرار في الفن، وذلك حسب تصريحات نجله “خالد” مع إحدى الصحف العربية.