بدون أي مناسبة تُذكر نجد أنفسنا نعيد اكتشاف بعض الأشخاص، الأحداث، الأفلام، وخاصًة الأغنيات… نستمع إليها، ندقق في كلماتها، تمس جزء من مشاعرنا ووجداننا، تعبر عن حالتنا المزاجية أيًا كانت، نستمع ونعيش معها فقط لأنها تشبهنا وتليق بنا في هذا الوقت دون غيره.
“الصُدف” وحدها هي ما تجعلنا نعيد اكتشاف الأشياء ونبحث في تفاصيلها، قد تكون صدفة وجودك في الشارع وسماع أغنية معينة ملائمة لحالتك تقودك البحث عن صاحب الصوت لمعرفة المزيد من المعلومات، وكلما كان مشهورًا كلما كان البحث أسهل و”كنز المعلومات” الذي تحصده أكثر.
“شادية”.. الاكتشاف الأحدث –بالنسبة لي- رغم مرورها يوميًا علينا من خلال أعمالها التي تُعرض بشكل مستمر على الشاشات، أو من خلال أغنياتها التي تملأ الإذاعات، لكن شادية –بدون أي ألقاب فاسمها وحده يصلح أن يكون لقبًا ودليلًا على الجمال- بمجرد التركيز في أغنياتها سواء كانت عاطفية أو وطنية أو حزينة أو مرحة تجد نفسك في حالة يصعب وصفها، راحة غريبة تسيطر عليك مع كل تنهيدة.. قوة وحنية ورِقة ووجع مع كل جملة تخرج منها.. عالم آخر تستمتع بالوجود فيه.. فقط اغمض عينيك، ضع السماعات في أذنك، وادخل عالم “شادية” الذي سيصعب الخروج منه لاحقًا.
أه.. ياللي عيونك شمعة وضحكة وبحر ونسمة صيف
أه.. أنت رسيت وأنا وسط الشوق حيرانة من غير مجاديف
ربما لم تكن الأفضل بين نجمات جيلها في وقتها، لكن الأكيد أنها حققت معادلة صعبة لم تحققها أي من النجمات، القدامى أو حتى الجدد.. نجحت بشكل مبهر في التمثيل وتألقت في الغناء، أصبحت دلوعة السينما ومعبودة الجماهير، لكنها لم تنجح فقط في تحقيق ما حاولت فعله دائمًا وهو “الاستقرار”.
مرت شادية بالعديد من المراحل في حياتها الفنية والشخصية، كانت حياتها الخاصة لا تشبه بعض أغانيها وأفلامها التي غالبًا ما كانت تنتهي نهايات سعيدة.. رجال ونساء كُثر أثروا في حياة الفنانة القديرة على مدار مشوارها الفني، وفي إطار بحثها وسعيها نحو الاستقرار الأسري منذ بدايتها، لم يحالفها الحظ في قصص الحب التي وقعت فيها الفنانة المعتزلة فبعضها كان ينتهي -رغم قوته- قبل أن يكلل بالزواج، وبعضها كان الزواج سببًا في انهيارها.
ان راح منك يا عين هيروح من قلبي فين
ده القلب يحب مرّة ميحبش مرّتين
“ابن الجيران” كان أولى قصص الحب في حياة شادية، اسمه أحمد، وكان ضابطًا بالجيش، لكن اقدر لم يمهلهما أن يعيشا سويًا كما تخيلا، حيث استشهد في أحد المعارك بحرب فلسطين 1948، في يوم فارق في حياة شادية والذي تزامن مع يوم عرض فيلمها الأول ويوم مناداة الجمهور لها بـ”شادية” لأول مرة، لتنتهي قصة الحب الرومانسية بوفاة الحبيب ورفض الحبيبة للزواج ممن تقدموا لخطبتها في تلك الفترة.
ما اقدرش ما احبكش
وحياتك ما اقدرش
لم تظل متمسكة برأيها في الامتناع عن الحب، حيث أحبت فنها وتميزت فيه وقدمت العديد من الأعمال، لكن قلبها كان ولا بد أن يدق، فعاشت قصة حب مع الفنان الراحل عماد حمدي وتزوجا بالفعل، فلم يهتم كلاهما بفارق السن، لكن الشائعات حول علاقتها بزملائها وغيرته الشديدة عليها بجانب مروره بأزمة مالية وهو ما جعل الصحافة وقتها تدعي أنه يعيش “عالة” عليها، كل ذلك كانت نهايته الطبيعية “الطلاق”، خاصًة بعد إهانته لها في حفل الكريسماس وصفعه لها أمام الحاضرين.
يا سلام على حبي وحبك
وعد ومكتوب لي أحبك
ولا انامش الليل من حبك
يا سلام على حبي وحبك
ربما حبها الشديد لفنها كان سببًا في أن تكون قصص الحب التي عاشتها في حياتها من داخل الوسط الفني أيضًا، فبعد طلاقها من عماد حمدي ارتبطت عاطفيًا بالراحل فريد الأطرش وذلك منذ أن تقابلا سينمائيًا في فيلم “ودعت حبك” عام 1956، كما كانت الجيرة سببًا في توطيد علاقتهما.
قال “الأطرش” عنها في مذكراته مع الكاتب المصري فوميل لبيب إن “شادية عوّضته عن كل عذاب الماضي بحنانها واهتمامها به، وسؤالها عن أكله وشربه وساعات نومه، بل إنها كانت تطبخ له بيدها، وتعد له الطعام الشرقي المحمل بالنَفَس النسائي الرقيق”.
طريقة معيشة الفنان الراحل والسهر والحفلات لم تكن ملائمة لما تحلم به الفنانة القديرة من بيت مستقر وحياة هادئة مثلها، فانتهى الإرتباط، وانتهت الجيرة أيضًا حيث استغلت شادية فرصة سفره لتبيع منزلها وتبتعد.
شباكنا ستايره حرير من نسمة شوق بيطير
وبقالي كتير يا حبيبي يا حبيبي بقالي كتير
استنى تجيب الفرحة والتوب الابيض والطرحة
ونطير زي العصافير
أما الزوج الثاني والحبيب الرابع في حياتها كان المهندس عزيز فتحي، الذي كان يعمل مهندسًا بالإذاعة المصرية حينها، حيث تعرفت عليه شادية وتوطدت العلاقة بينهما في إحدى سهرات فريد الأطرش، وكان “عزيز” يتردد على تلك السهرات بصحبة خالتيه ميمي وزوزو شكيب.
لكن كالعادة “الحلو ما يكملش” حيث بدأت المشكلات بعد الزواج بعد أن علمت شادية أنه كان متزوجًا قبلها دون أن يخبرها، بجانب غيرته من شهرتها، لكنها لم تستسلم فحاولت أن تساعده ليدخل مجال السينما وبالفعل أجرى اختبارين أمام الكاميرا لكنه فشل فيهما، لتزداد المشكلات بينهما وتنتهي بالطلاق.
فارس أحلامي
حبيب قلبي وحبيب أيامي
اختتمت شادية زيجاتها في محاولة أخيرة لتكوين منزل وأسرة بزواجها من الفنان الراحل صلاح ذو الفقار الذي وجدت فيه “فارس أحلامها”، بعد أن بدأت قصة حبهما في فيلم “أغلى من حياتي” واستمرت طويلًا وتوجت بالزواج.
الحنين للأسرة والاستقرار بالتأكيد يلزمه الحنين للأطفال رغم تأكيد الأطباء لها بأن الحمل يمثل خطورة على صحتها، خاصًة بعد أن حملت مرتين من زوجها السابق عماد حمدي وعزيز فتحي، لكنها أصرّت وبالفعل حملت لكن حملها لم يستمر، وهو ما تسبب في دخولها في حالة نفسية سيئة، حتى انهارت حياتها الزوجية وحدث الطلاق الأول لكنهما عادا لبعضهما البعض بعد تدخل المقريبن، ثم يحدث الطلاق الثاني، لتغلق بذلك قلبها وتكتفي بفنها وأسرتها وأبناء اخوتها.
أما من أبرز النساء اللاتي أثرن وغيرن من حياة الفنانة الكبيرة، كانت أختها عفاف شاكر التي كانت تعمل بالفن، ومهدت الطريق لها للعمل بالسينما فعندما بدأ المنتج والمخرج محمد عبد الجواد في تقديم فيلم “المتشردة” سمع من البعض أن عفاف لديها شقيقة تتمتع بصوت رخيم، وحينما التقاها سألها عن شقيقتها فأكدت له تلك الأقاويل، وعرضت عليه أن يستمع لغنائها.
وبالفعل ذهب معها المخرج والتقى شادية للمرة الأولى، واستمع إلى غنائها فأعجب بموهبتها وقرر الاستعانة بها في الفيلم الجديد.
أما ثاني النساء فكانت الممثلة سناء سميح والتي كادت أن تتسبب في اعتزال شادية للفن قبل أن تبدأ مشوارها به، حيث اشتركت شادية في أول أعمالها “أزهار وأشواك” مع يحيى شاهين عام 1946، ولم تكن سوى كومبارس، ما جعل سناء سميح أنذاك أن ترفض الجلوس بجانبها في البنوار الخاص بأبطال العمل، خلال العرض الأول، ما أصاب شادية بحالة من الحزن والاكتئاب فقررت ترك السينما نهائيًا، لكن المخرج حلمي رفلة أبدى إعجابه بأداء شادية وقرر إسناد أول بطولة لها في العام التالي مع الفنان محمد فوزي وكان بعنوان “العقل في أجازة”.
ربما بعد زواجها وانفصالها عن عماد حمدي شعرت شادية بالذنب تجاه زوجته الأولى وأم ابنه، الفنانة فتحية شريف، لدرجة جعلتها عندما قابلت نجل الفنان الراحل في عام 1972 في كواليس تصوير أحد الأفلام طلبت منه رقم والدته، حيث اتصلت بها، واعتذرت لها عن زواجها من “حمدي” لتصير بعدها صديقة مقربة لها، ويناديها نجل طليقها بـ”ماما شادية”.