نقلا عن الدستور
مثل كرة من لهب كان الخبر الذى نشرته صحيفة هاآرتس الإسرائيلية عن لقاء سرى جمع الرئيس عبد الفتاح السيسى برئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو والملك عبد الله الثانى ملك الأردن ووزير الخارجية الأمريكى السابق جون كيرى.
حددت الصحيفة الإسرائيلية موعد اللقاء بـ21 فبراير من العام الماضى، وأشارت إلى أنه عقد بترتيب شخصى من الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما، الذى كان يأمل فى دفع عملية السلام وتحقيق أى تقدم فيها قبل رحيله من البيت الأبيض.
هاآرتس أشارت أيضا عبر مراسلها السياسى “باراك رابيد” أن اللقاء عقد لمناقشة مبادرة كيرى الإقليمية لحل النزاع الإسرائيلى الفلسطينى، والتى تتضمن الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية، واستئناف المفاوضات بين إسرائيل والفلسطنيين بدعم دول عربية، لكن هذا المقترح لم يرق لنتنياهو ولم يقبله، مبررا ذلك بأنه سيواجه صعوبة فى الحصول على تأييد أغلبية إئتلافه اليمينى.
تقرير الصحيفة الإسرائيلية لم يكن دقيقا بما يكفى.
طبقا لمصادر مطلعة، كان هذا اللقاء الرباعى بدعوة من الرئيس عبد الفتاح السيسى نفسه، ولم يكن بترتيب من الرئيس الأمريكى باراك أوباما، وقد استمر اللقاء لمدة ساعتين، كان فيهما السيسى واضحا فى رؤيته وحاسما فى موقفه، وحازما فى المطالبة بحقوق الفلسطنيين، من خلال تبنيه لحل الدولتين، كحل واحد ووحيد لا تنازل عنه على الإطلاق.
مصادر دبلوماسية دخلت على خط تفسير هذا اللقاء الذى أراد له الرئيس السيسى أن يكون سريا، لأنه كان مجرد حلقة فى ملف التفاوض الذى قرر أن يقوده بنفسه للحفاظ على حقوق الفلسطنيين.
كان الرئيس السيسى قد قرر منذ البداية أن يسترد دور مصر الأقليمى فى المنطقة، ولأنه كان يعرف جيدا أن المساحة التى يشغلها فى هذا الملف ركيزة أساسية فى هذا الدور، فقد بدأ مبكرا فى تجهيز ملف التفاوض على الأرض، وهو التفاوض الذى حرص على ألا يفقد أى ورقة من أوراقه وفى الوقت نفسه لا يتنازل عن أى مما يريده.
فى مايو 2016، كان الرئيس السيسى يتحدث فى أسيوط على هامش إفتتاح بعض المشروعات التنموية، انتهت مراسم الاحتفال بعزف السلام الجمهورى، لكننا فوجئنا به يتحدث، يومها ناشد الأطراف الإسرائيلية لتحقيق السلام حتى تستفيد الأجيال المقبلة، قال أن هناك العديد من المبادرات العربية والدولية لإيجاد حل حقيقى للقضية الفلسطينية، وأن مصر تلعب دورا رياديا فى تلك المبادرات.
طلب السيسى من القيادة الإسرائيلية أن تذيع خطابه فى إسرائيل مرة واثنتين للاستفادة من تحقيق السلام، وقال بوضوح: أنا مبعرفش أحور ولا آتأمر، حل القضية الفلسطينية وإقامة دولتها السبيل الوحيد لتحقيق سلام أكثر دفئا بين مصر وإسرائيل.
سألت أحد الخبراء العسكريين الذى كان موجودا معنا يومها فى أسيوط عما يعنيه الرئيس، فقال نصا: الريس يضع إسرائيل فى خانة اليك.
لم يكن هذا الخبير العسكرى، كما لم يكن غيره يعرف أن السيسى لم يتحدث عن حلم، ولكنه كان يخطو خطوة جديدة فى ملف التفاوض، فقد وجه هذه الدعوة لإسرائيل بعد حوالى 3 شهور من لقاءه بنتياهو، ومطالبته بشكل واضح بالموافقة على حل الدولتين كحل واحد ووحيد للمشكلة الفلسطينية.
تقول المصادر الدبلوماسية أن الدور المصرى فى المسألة الفلسطينية قائم على أسس السياسة والمناورة دون التفريط فى المبادئ والثوابت.
وقد بدت هذه المناورة بوضوح فى القرار المصرى بوقف الإستيطان، وهو القرار الذى قدمته مصر، ثم سحبته، وهى تعرف أن النتيجة ستكون فى صالح إدانة الإستيطان، حيث تحركت دول أخرى لتتبنى الموقف المصرى، لكن المفاوض المصرى أراد أن يحتفظ بورقة قوته وتأثيره، وقدرته على تحريك الأمور فى المنطقة، وهو ما وصل إلى الإدارة الأمريكية الجديدة، التى لم تكن دخلت إلى البيت الأبيض بعد، وتمثل ذلك فى الإتصال الهاتفى بين السيسى ودونالد ترامب، وهو إتصال كانت له مكاسب عديدة من بينها إعتراف البيت الأبيض بأن مصر شريك أساسى فى حل القضية الفلسطينية، بعد أن حاولت دول عديدة فى المنطقة إنتزاع هذا الدور والسطو عليه.
لماذا قابل السيسى نتيناهو فى الأردن إذن؟
طبقا للمصادر الدبلوماسية، فإن المفاوض المصرى تجمعت لديه معلومات أن الرئيس الأمريكى باراك أوباما يسعى إلى أن يختم عهده فى البيت الأبيض بخطوة كبيرة فى القضية الفلسطسينية، لكن قبل أن يخطو فى هذه الإتجاه شبرا واحدا، فاجأ الرئيس السيسى إسرائيل وأمريكا بطلب إجتماع قمة فى الأردن، فقد أراد أن يضع الأطراف جميعها أمام مسئوليتها، وقد ربح فى هذه الجولة، تعرية إسرائيل التى لا تريد حلا.
لم يذهب عبد الفتاح السيسى إلى الأردن لمقابلة نتيناهو منفردا، كان هناك تنسيقا مع أطراف عربية معنية بالقضية الفلطسينية، بل كانت السلطة الفلسطينية ممثلة بوجود السيسى نفسه الذى قال فى هذا الإجتماع نصا:الفلسطينيون هيعملوا دولتهم يعنى هيعملوا دولتهم.
ستسأل عما جنته مصر من هذا اللقاء، وغيره من خطوات التفاوض السرى منها والعلنى؟
سأقول لك: ثلاثة مكاسب محددة، إدانة كاملة للإستيطان الإسرائيلى، وعلاقة جيدة مع الإدارة الأمريكية التى أجبرها السيسى على أن تقر لمصر بدورها الإقليمى، وقيادة إقليمية بعد أن استعدنا أوراق التفاوض من جديد، ثم والأهم من ذلك كله، أننا وضعنا إسرائيل أمام مسئوليتها، فالحل أمامها لكنها لا تريد أن تقر به.
فى هذا اللقاء كان عبدالفتاح السيسى المتحدث الأول، طبقا لتقديرات مطلعين على ما دار فيه، حظى بأطول فترة من الحديث، وكان الموجودون حريصين على سماع وجهة نظره، ولم يتراجع فى أى لحظة عن موقفه المبدئى الذى أعلنه وهو حل الدولتين.