نقلًا عن المصري اليوم
سعيد بالطبع بأن افتُتِح، أمس، مهرجان سينما المرأة الأول فى أسوان. سعادتى مزدوجة، أولا، لأنه عن المرأة، وثانيا، لأنه فى المدينة الغالية علينا أسوان. لولا اتفاق مسبق لكنت حاضرا ومشجعا، كنت متابعا للعديد من التفاصيل، هناك إصرار من فريق العمل أن يخرج المهرجان لحيز النور، أعلم تماما كم الصعوبات الأدبية، ناهيك من المأزق المادى الذى نعيش فيه كل المهرجانات، خاصة بعد تعويم الجنيه، لا شك أن إلهام شاهين فى موقع الرئيس الشرفى للمهرجان ساهمت فى عبور الكثير من الأزمات، وكعادتها عندما تؤمن بموقف أو رأى تظل فى حالة استنفار حتى تُنجزه.
المهرجان يرأسه كاتب السيناريو محمد عبد الخالق ومديره زميلنا الصحفى الدؤوب الموهوب حسن أبوالعلا، نعم، المرأة تستحق ذلك وأكثر، ليس لأننا نعيش عام المرأة، ولكن لأن كل الأعوام ينبغى أن توجه للمرأة. رائع بالمناسبة أن تتصدر صورة نجلاء فتحى هذه الدورة ولا أدرى حقيقة ظروفها الشخصية ستسمح بأن تحضر، أم ستكتفى بكلمة مسجلة تعرض فى الافتتاح. نجلاء حقا تستحق، حضرت أم غابت، أيضا الجوائز كلها تحمل أسماء النساء اللاتى قدمن الكثير للسينما، مثل آسيا داغر وبهيجة حافظ ونادية لطفى ولطيفة الزيات ورشيدة عبدالسلام.
كل ذلك جميل ومطلوب، مع مراعاة ضرورة ألا يسيطر الانحياز النسائى على الموقف برمته، أخشى، من خلال ما قرأت أن تتسيد نون النسوة على كل مفردات الفعاليات، فلا يمكن أن نواجه الانحياز الذكورى بانحياز مضاد، من حق المرأة فى مجال الإبداع أن تتواجد لكونها مبدعة أولا، وليس امرأة أولا، قد أجد مبررا فى الدورة الأولى، لإعلان هوية المهرجان بشىء من الانحياز بأن نجد لجان التحكيم كلهن من النساء، على شرط ألا تصبح هى القاعدة فى القادم من السنوات، خاصة أن عددا من الرجال كثيرا ما دافعن عن المرأة، مثلا لماذا لم يفكر المهرجان فى الاحتفاء بمخرجنا الراحل محمد خان باعتباره قاسم أمين السينما المصرية، فلقد كان أكثر المدافعين بالكاميرا وبدون صخب عن المرأة، وله بالمناسبة فيلمان من أهم ما قدمت نجلاء فتحى للسينما أحلام هند وكامليا وسوبر ماركت، ناهيك من أن 70% من أفلامه بطولة نسائية.
من المهم أن نضبط دائما الجُرعة، سوف أذكركم بهذا المشهد الهزلى فى فيلم «بنات حواء» تأليف أبوالسعود الإبيارى، وإخراج نيازى مصطفى، الذى لعب بطولته مديحة يسرى ومحمد فوزى، عندما اختلف الحاضرون فى ندوة أقيمت للدفاع عن حقوق المرأة.. هل يقولون فى الخطاب الافتتاحى أيها المحترمون أم أيتها المحترمات، «مين أم مات»، واشتعلت المعركة، وتطايرت الكراسى، وهنا هتف صوت من الصالة «هو مين اللى مات»؟
المقصود هو ألا ننشغل بالشكل عن المضمون، السينما المصرية فى الألفية الثالثة، شديدة الحفاوة بالمرأة، وهكذا صرنا نتابع أسماء، مثل ساندرا نشأت وكاملة أبوذكرى وهالة خليل وهالة لطفى ونادين خان وأيتن أمين وماجى مرجان ومريم أبوعوف وغيرهن، وكل منهن تقدم أفلاما، ولهن تواجد على الخريطة وكثيرا ما أجدهن يرفعن اسم مصر فى المهرجانات، لديك مثلا فى العام الماضى هالة خليل بفيلمها نوارة حققت أكبر عدد من الجوائز التى حصدها فيلم مصرى.
هناك علاقة استثنائية بين المرأة والسينما المصرية، تكتشف ذلك الارتباط الحميم مع السينما المصرية التى لها خصوصية، فلقد قامت، خلافا للسينما فى العالم كله، على أكتاف النساء، مثل عزيزة أمير وآسيا وبهيجة حافظ وأمينة محمد وفاطمة رشدى ومارى كوينى، حتى لو قالت بعض المراجع أن فيلم «ليلى» لعزيزة أمير، والذى كانت تعتبره العديد من الوثائق، وإلى عهد قريب أول فيلم مصرى، هذا الفيلم بدأ البعض يشكك أن عزيزة أخرجته بمفردها، بل أشاروا إلى هناك من ساعدها من الباطن، مثل وداد عرفى واستيفان روستى، إلا أنها فى الحد الأدنى قد غامرت بأموالها واسمها فى وقت كانت تعتبر فيه السينما رجسا من عمل الشيطان.
ولدينا فى الخمسينيات تجربتان فى الإخراج لكل من مديحة يسرى وماجدة الصباحى، والحقيقة أن مديحة وماجدة تستحقان الحفاوة أيضا وهما بيننا، حتى لو كانت ظروفهما الصحية لا تسمح بالحضور، ولكن لدينا إن شاء الله الأعوام القادمة.
عرفنا فى الثمانينيات عددا من المخرجات، مثل نادية حمزة وإيناس الدغيدى، ثم أسماء البكرى، كانت الراحلة نادية حمزة تقدم مباشرة أفلاما لا تواجد فيها سوى للمرأة، حتى العناوين نساء خلف القضبان ونساء صعاليك وانسات وسيدات وامرأة للأسف، وقدمت على سبيل التحدى فيلما لا تجد فيه تواجدا لأى رجل، بينما إيناس الدغيدى ستجد حضورا للمرأة بمسحة تجارية، ولكن ليس بالضرورة اسم المرأة فى العنوان، كانت البداية مع عفوا أيها القانون، وآخر أفلامها مجنون أميرة والراحلة أسماء البكرى لها ثلاثة أفلام روائية، أهمها كونشرتو ضرب سعادة، بطولة نجلاء فتحى.
يطلقون أحيانا على القصص النسائية أدب الأظافر الطويلة، وأنا لا أريد أن تنتقل هذه التسمية، بما تثيره من ظلال سيئة أيضا لمخرجات السينما، فلا توجد سينما مرأة يقابلها سينما رجل، «كوتة» فى السياسة من الممكن أن أتفهم دوافعها، ولكن فى الفن، وخاصة عندما نتحدث عن السينما تثير لدى العديد من علامات الاستفهام.
أتذكر، قبل نحو خمس سنوات، أن عددا من المخرجات والكاتبات فى العالم، وقعن بياناً يعلن فيه أن مهرجان كان بات ذكورياً، لأنه بين 22 فيلماً داخل المسابقة الرسمية لم يتواجد أى فيلم إخراج امرأة، وكانت مجرد صدفة غير مقصودة، وهو ما أثار غضبهن هذا العام أيضا فى الأوسكار، لاختفاء المرأة المخرجة من الترشيحات، لا أرتاح إلى هذا النوع من الحساب الرقمى.
المبدع بالدرجة الأولى يتجاوز حدوده الجغرافية والبيئية والعرقية والدينية والجنسية ليصل إلى العمق، وهو الإنسان.
الإبداع يستمد وقوده من العقل البشرى الذى لا يفرق فى تقييمه بين رجل وامرأة، أتفهم فى المسابقات الرياضية أن يتم هذا الفصل بين المرأة والرجل، ولكن لم يحدث أن تم رصد جائزة فى الأوسكار لأفضل مخرجة أو كاتبة أو مونتيرة، الجائزة التى تحصل عليها المرأة تتحقق قيمتها لأنها اقتنصتها من الجميع نساء ورجالاً.
المرأة حظيت بجوائز فى كبرى المهرجانات، وفى أهم مسابقة، مثل «الأوسكار»، قبل 8 سنوات، فازت المخرجة «كاثرين بيجيلو» عن فيلم «خزانة الآلام» أمام طليقها «جيمس كاميرون» الذى كان ينافسها بـ«أفاتار»، المرأة لا تحتاج إلى «كوتة»، قبل أقل من 72 فقط فاز فيلم على الجسد والروح.. المخرجة المجرية للديكو إينيدى فى مهرجان برلين متفوقة على نحو 17 مخرجا من الرجال.
سينما للمخرجين وأخرى للمخرجات.. الإبداع لا يعرف مين ولا مات، ومرحبا بمهرجان سينما المرأة على شرط ألا يواجه ظلم الرجل للمرأة بظلم المرأة للرجل.