هل فكرت يوماً أن تضع نفسك مكان أي مسئول في إحدى مؤسسات الدولة؟.. ماذا لو كنت مثلاً أحد الوزراء القادمين في التعديل الوزاري الأخير؟.. تخيل أننا الآن في مكاتبنا في أيامنا الأولى في الوزارة، ونحاول أن نقرأ أحوالها، ترى ماذا نجد؟.. جميعنا حتماً سوف يجد تحدياً ما أمامه، ومعه فجوة في الثقة والمعارف والمهارات في فرق العمل من حولنا، فتصبح مطالباً بتطوير قدرات فريقك شخصياً ومهنياً، يصاحبه تطوير لسياسات وإجراءات تدفق العمل اليومي، وكلنا قادم لوضع خطة تحمل أهدافاً محددة، وخريطة طريق لتحقيقها، مع رغبة في تحقيق نتائج سريعة، ويفرض كل هذا اتخاذ قرارات هامة كل الوقت، ومصيرية أحياناً.
ماذا نجد أيضاً؟.. صعوبات تمثل حواجز لابد من تجاوزها سريعاً، كالثقافة السائدة في الوزارة، عدم وجود فهم واضح لما جاء به الوزير الجديد، مقاومة التغيير ومحاولة الاحتفاظ بالأوضاع على ما هي عليه، افتقاد دعم الصف الثاني للوزير، قلة الموارد المادية المتاحة، عدم كفاءة الموارد البشرية عالية الكم فقيرة الكيف، وأخيراً الدعم من رئيسك المباشر، رئيس الحكومة، تنتظره دائماً ولا يأتيك إلا قليلاً.. أسمعك تسأل.. ثم ماذا نفعل؟.. تؤمن أن أحد أهم أدوارك، أحدها وليس كلها، أنك كوتش، نقولها بالإنجليزية لأن معناها بالعربية، مدرب أو معلم أو مرشد أو موجه، جميعها لا يزال يحمل قصوراً يحد من قيمتها، فلنستخدمها بالإنجليزية، كوتش، فكلنا لا نزال نقول تليفزيون، ولا يستخدم أحدنا كلمة تلفاز.. مش كده وللا إيه؟!.
ماذا يفعل الكوتش؟.. مهمتك سد الفجوة بين التفكير والفعل، بين الواقع وما تهدف إلى تحقيقه، تخلق حواراً تعاونياً مع فريق العمل في وزارتك، أفراداً ومجموعات، وتضع منهجاً يعمل على تفاعلهم معك بما يسهم في تسهيل عمليات التغيير والتكيف والتعامل معه، هذا هو الكوتشينج ببساطة، أحد أهم ممارسات التدريب المتقدمة اليوم، والمستخدمة في تطوير قدرات الأفراد والمؤسسات معاً، يقوم في الأساس على إلهام الآخرين، واستنهاض إرادتهم نحو اكتشاف قدراتهم بأنفسهم، حين تمارس معهم دور الكوتش، لا تقدم حلولاً، ولا تطرح توصيات، فقط اسأل ثم اسأل ثم اسأل، واتركهم يجيبون ويجيبون ويجيبون، حتى يضعوا بعض الأهداف بأنفسهم، ويرفعون واقعهم لقياس الفجوة، فيطرحون خياراتهم، ثم يقررون بماذا وكيف ومتى يبدأون؟.. هذا هو المنهج الأشهر حالياً في الكوتشينج.. نموذج ينمو أو GROW MODEL.
الكوتشينج يعمل على إحداث التغيير بدرجة كبيرة في السلوك نحو تحقيق الأهداف، وأنت لن تكون كوتشاً ناجحاً إلا إذا تمتعت بالكاريزما، والمصداقية العالية، وأن تجعل من نفسك دائماً مثلاً وقدوة، وعليك أن تكون منصتاً جيداً، متواصلاً بفاعلية، تجري حواراً مثمراً، تقرأ لغة الجسد، وتطرح الأسئلة بمهارة، فالكوتشينج ما هو إلا رحلة يصاحب فيها الكوتش المستفيد لتحقيق أهدافه.. هل نتحدث هنا عن رفاهية؟!.. بالقطع لا.. بل نستعرض صناعة تشغل الآن المكانة الثانية عالمياً بعد صناعة تكنولوجيا المعلومات، من خلال ما يقرب من مائة ألف كوتش يقومون بالتطوير الشخصي والمؤسسي، فلعل وعسى يأخذ الوزراء الجدد المبادرة، يبدأون بأنفسهم، ثم يصنعون في وزاراتهم وأجهزتها التابعة أكثر من كوتش، عندها نكون قد قدمنا بالفعل نموذجاً للعمل خارج الصندوق