محمد مصطفى أبو شامة
نقلا عن المصري اليوم
أخرجَتْني صغيرتي مريم من حالة «الكنافة» بالمانجو التي أحدثتها زيارة العالمي «ميسي» لبلادنا «المهووووسة» بحبه وشهرته وحركاته، التي كانت «محرووووسة» في سالف العصر والزمان، قبل أن يغزوها السلف والإخوان.
ما علينا من هذا الكلام البايت.. خد الـ«فريش»، فلقد طلبت مريومة الشهيرة بـ«ميمو» أن تأكل كيوي، صدمني طلَبُها للحظة، وظننتُ أنها تخدعني، فتهرَّبْتُ منها، فبدأت تلحّ وتزنّ وتغني بلا ملل: «عايزه كيوي يا باباي»، وباباي (اللي هو أنا) لا يصدق أن ابنته ذات الأعوام الخمسة تعرف أصلاً هذه الفاكهة نادرة الوجود بمنزلنا، ربما أكون قد اشتريتُها مرةً أو مراتٍ ثم تجاهلتُها لثقتي في أنه لا أحد في المنزل يحبها.
حاولتُ أن أُغرِي الصغيرة بكل أصناف الفاكهة الأخرى؛ تفاح.. موز.. يوسفي.. فراولة، وهي ترفض راقصة محتجَّة بالتكرار الغنائي ذاته الذي يؤكد تمسكها بالكيوى، فقررتُ أن أفاجئها.. فأخبرتها بأنه ليس لدينا كيوي في البيت، وقبل أن أتمّ جملتي كانت قد طارت إلى المطبخ وأحضرت لي ثمرة الكيوي، وحقًّا لم أكذب عليها، لأنني بالفعل تفاجأتُ بأن عندنا كيوي.. فقمت مغلوبًا على أمري وأنا شبه متأكد من أن مجهودي المقبل سيضيع هباء.
ذهبتُ إلى المطبخ وقشَّرْت الثمرة وقطعتها، ووضعتها للهانم في طبقها الـ«Pink» حسب طلبها، كما أصرت «المزة» أيضًا أن تأكل في غرفة مكتبي، فذهبنا وتربعنا.. انتظارًا للحدث الجلل، وجلست «أشهر بنت (نوتي) في كل مدارس مصر.. بلا فخر»، ونظرت إليَّ نظرات تحدٍّ سافرة، قبل أن تلتهم قطع الكيوي بطعمها (اللاذع) بسرعة ولهفة نادرة.. وعلى وجهها سعادة لا توصَف، كأنها تأكل (قرع عسل).
أعترف صريحًا بعدم قدرتي على فهم صنف البنات (وربما الستات كمان)، وعلى رأسهم صغيرتي المشاغبة «جدًّا»، التي أوصلتنا أنا وأمها ومعلمتها إلى مرحلة الهذيان التربوي، من شقاوتها التي لا تنتهي، وحركتها التي لا تتوقف، ورغبتها التي لا تشبع في اقتناء كل شيء وأي شيء، بلا هدف غير أن يكون معها هي وليس مع الآخرين.
تصل إلينا كل يوم شكوى من مريم، لهذا كان لابد من موقف أبوي.. تربوي.. حاسم.. فكان قراري الحكيم عقابها بأن تبقى في البيت حتى نهاية الأسبوع ولا تذهب إلى مدرستها، وقد كان.. لكن زوجتي المناضلة (عملت أحلى واجب) وتركَتْها معي لتذهب بوالدتها (حماتي) في زيارة دورية لطبيبها المعالج، فبقيت أنا ومريم والـ«Punish»، وصاحبنا في الخلفية، الأصداء الإعلامية للزيارة التاريخية المباركة لنجم برشلونة 1
التي تابعتُها منذ مساء الأمس، وأكملتها صباح اليوم مع مريومة وطلباتها التي لا تنتهي، فاكتشفت عند الظهيرة أني عاقبت نفسي عقابًا قاسيًا.
ربما كان أفضل لي أن أستجيب لنداء المهنة، وأتوجه لحضور جنازة شيخ «الإرهاب» ونجم الجهاد الديني (مولاهم) عمر عبدالرحمن، الأب الروحي لما سُمِّي بـ«الجماعة الإسلامية» في مصر، وقد انطلقَتْ الجنازة من المسجد الكبير بمركز الجمالية في محافظة الدقهلية عقب وصول جثمانه من أمريكا.
فعلا، كان حضور الجنازة ومشقتها والسفر وبهدلته ووجوه الجماعة العابثة أرحم بكثير من البقاء مع مريم، خصوصًا لو كنتُ اصطحبتُ معي «ميسي» ودخلت به على «حبايبنا» الذين تقدَّمَهم محمد، نجل الشيخ الراحل، ومن تبقى من أتباعه ومريديه، يتقدمهم الحاج منتصر الزيات، وأعتقد أن حدثًا بهذه الأهمية كان يحق لزميلنا الإعلامي المخضرم عمرو أديب أن ينفرد بتغطيته، ليس فقط لأنه صاحب التوكيل الحصري لظهور «ميسي» في الإعلام المصري، ولكن أيضًا لأنه صاحب واجب (مهني).