بينما تتجاهل مختلف وسائل الإعلام، الشباب وقضاياه وأزماته، حتى أنك لا تجد مثلاً مساحة بث خاصة بهم على قنواتنا الفضائية، على قدر تعددها وتنوعها حالياً، وتواصل إرسالها ليلاً نهاراً، وفي حين تهرب الغالبية العظمى من شبابنا، لتعيش عالمها الافتراضي، على شبكات التواصل الاجتماعي، يظل هناك شباب أول ما يوصف به أنه واقعي، يعيش توهج مرحلته السنية، متفاعلاً مع مجتمعه، منفتحاً على الآخر، وساعياً نحو الخلاص بأحلامه المهنية والإنسانية من دوامة التحديات المحيطة به، هذه الفئة تعاني كغيرها من شبابنا، ولكنها تخلق طاقتها الإيجابية من رحم المعاناة، تتعلم وتعمل، تقبل وترفض، تضحك وتحزن، تحب وتكره، تتفاءل وتتشاءم، ولكنها وسط هذا كله تحلم، وتسعى نحو تحقيق حلمها، وعلمتها الحياة مبكراً أنها لا تفتح أبوابها إلا لمن يطرقها.
بعض من هؤلاء الشباب الجميل المبهج، جمعتهم كلية هندسة المطرية التابعة لجامعة حلوان، فاجتمعوا على رؤية تتلخص في قيادة صناعة السيارات في مصر والشرق الأوسط، من خلال بناء أول مصنع مصري من نوعه في المنطقة، واتفقوا أن البداية نحو تحقيق هذا الحلم، هي أن يثبتوا للعالم ما لديهم من إبداع في التصميم والتصنيع، وأنهم كمصريين جديرون بالثقة.. ماذا فعلوا يا ترى؟.. شكلوا فريقاً من عدة صفوف دراسية بالكلية، وقرروا تصميم وتصنيع سيارة سباق فورميلا ذات المقعد الواحد، ليشاركوا بها كأول فريق مصري عربي إفريقي في مسابقة فورميلا الطلاب العالمية في الصيف القادم، والتي تقام هذا العام في حلبة سلفرستون الشهيرة بانجلترا، وهي من أقدم حلبات سباق السيارات التي شهدت انطلاق سباقات فورميلا وان الأشهر عالمياً.
يعمل هذا الفريق من خلال هذا التحدي، على التطبيق العملي للمناهج العلمية التي يقومون بدراستها بالكلية، واكتساب الخبرات المهنية، من خلال تصميم الأجزاء المعقدة والبسيطة من السيارة، ومعها بعض الخبرات الإدارية والتسويقية، من خلال مهام العمل الموزعة على أعضائه، ويهدف إلى استكمال صناعة السيارة في أقل من عام بأقل التكاليف الممكنة، ويؤمن في كل هذا، أنه يعمل من ضمن ما يعمل، على تهيئة أعضائه لسوق العمل، باحتكاكه بسوق الصناعة والتجارة، وكذلك إكسابهم مهارات العمل الجماعي والمجتمعي، وتنمية مهاراته في إيجاد حلول تقنية عالية في مدى زمني قصير، ولم ينس هؤلاء الشباب جامعتهم، جامعة حلوان، فيطمحون إلى رفع اسمها عالياً ضمن أكبر جامعات العالم، في أكبر حدث طلابي في مجال رياضة سباق السيارات على مستوى العالم.
المسابقة تعد أرضاً خصبة للمبتكرين من طلاب كليات الهندسة، ويشارك بها سنوياً ما يقرب من مائتين وثلاثين جامعة من مختلف دول العالم، وتقوم على تحدي المشاركين في تصميم وتصنيع سيارة سباق الفورميلا ذات المقعد الواحد، ويتم التقييم من عدة أوجه أخرى، كدراسة الجدوى الخاصة بالمشروع، وما تتضمنه من تكلفة التصنيع، وخطة التسويق، والنتائج المتوقعة، ومن أهمها أداء السيارة، وفاعليتها داخل حلبة السباق، وبهدف تفاعل الخبرات، يتعاون الفريق مع مثيله من جامعة دلفت الهولندية للتكنولوجيا، فيستضيف خلال الأيام القادمة، فريقها المشارك بمسابقة تحدي السيارات، التي تعمل بالطاقة الشمسية، والتي تقام هذا العام بالغردقة، وجاء اختيارهم لهذا الفريق باعتباره الفائز بالمسابقة العام الماضي، ويرتب فريقنا نفسه، لتوفير أماكن الإقامة والعمل والانتقالات للفريق الهولندي، طوال مدة تواجده بمصر.
ماذا يحتاج هؤلاء الشباب؟.. الدعم والرعاية، إعلامياً ومادياً، فليس أقل من الاهتمام والمتابعة والتواصل الإعلامي، فهم فعل إيجابي في زمن تأسر فيه السلبية أرواح شباب، هم أكثر من ثلثي طاقة مجتمعنا، ولا تعد إطلالتنا هذه سوى بداية، تأتي استجابة سريعة لرغبة أبدوها حين جمعتنا صدفة اللقاء، ونتمنى أن تتبعها تغطيات إعلامية مرجوة من زملائنا في مختلف وسائلنا الإعلامية، أما الدعم المادي، فهو الرعاية المنتظرة من الشركات العاملة في صناعة السيارات في مصر، فهم أولى بها، وأهل لها، فمبادرة هؤلاء الشباب وجرأتهم تستحق الاهتمام، فهي إن دلت، فإنما تدل على أن مصر تبقى ولادة، ومهندسوها المبتكرون موجودون هنا وهناك، وحتى نرد الحق لأهله، بادرت شركات البافارية وإنجكو والمازن بدعم الفريق، ولكن حلمه لا يزال يحتاج المزيد