فكرت أولا فى الاعتذار لأننى سأتمرد اليوم على كتابات ودوائر الرياضة وكرة القدم لأكتب عن الصحافة ونقابتها وانتخاباتها .. واكتشفت بعد قليل أننى لا أحتاج لذلك .. ليس لأننى أكبر من الاعتذار أو لأن قارئى لا يستحقه .. وإنما لأننى اكتشفت أن الكتابة عن مهنتى وهمومها ومخاوفها ليست تمردا أو خروجا من دائرة الرياضة وكرة القدم .
فأنا خائف وحزين ومهموم بمواجع ومستقبل صحافة الورق التى منها أوراق الرياضة واللعب .. وستتقاسم صفحات كرة القدم أى خسارة مع صفحات السياسة والاقتصاد والمجتمع والفن والجريمة .. وحين تابعت انتخابات نقابة الصحفيين طيلة الأيام الكثيرة الماضية .. وجدتهم جميعا يتحدثون عن الحقوق والحريات والمبادىء والخدمات ومد سن الخدمة حتى الخامسة والستين .. وكل هذا جميل وضرورى ومطلوب فقط لو كانت المهنة مستقرة ورائجة ورابحة وليست مهددة أو مشكوك فى قدرتها على البقاء.
وكنت أتخيل أن تصبح القضية الأولى والأساسية لمرشحى الانتخابات الحالية هى المهنة نفسها ومستقبلها .. إذ أن الصحافة المصرية بشكلها الحالى وملامحها وأفكارها لا يمكنها البقاء على قيد الحياة والأمل سوى سنوات قليلة جدا .. لا فرق بين صحافة قومية أو حزبية أو خاصة .. الكل مهدد بالإنهيار والعجز عن الاستمرار .. وأظن أنها صورة شديدة القسوة لكنها أيضا شديدة الوضوح لمن يريد التوقف والتأمل والرؤية .. وإذا كانت نقابة الصحفيين عاشت سنينا كثيرة ماضية ترفض الإعتراف بصحافة التليفزيون أو الديجيتال وتراها لا ترقى إلى صحافة الورق صاحبة البريق .. فقد جاء اليوم الذى تضطر فيه نقابة الورق لشاشات تليفزيون أو مواقع إليكترونية وتواصل اجتماعى حين تريد طرح أى قضية ومناقشتها أو تقديم أى فكر أو الدفاع عن أى حق.
وإن استمر هذا هو حالنا مع مهنتنا وداخل نقابتنا فسيأتى يوم قريب نكتشف فيه أننا نتحارب ونتنافس ونؤيد ونعارض وننفعل ونصرخ ونجتمع داخل مبنى سيمر كثيرون أمامه دون أن يلتفتوا إليه .. وأننا أصبحنا جيشا فقد أهم وأقوى أسلحته ورغم ذلك لا يزال يصر على إملاء شروطه على الجميع.
ولا حل أمامنا إلا حرق كل أفكارنا وتصوراتنا القديمة وكلماتنا الزاعقة وهتافاتنا التى تجاوزها الزمن .. ولا أحد مثلا من هؤلاء الصارخين عن الحرية واستقلال النقابة وقوتها يدرك أن أهم من ذلك كله الآن هو التوقف أمام صحافة مصر التى لم تملك أى نقطة توزيع جديدة للصحف طيلة عشرين عاما .. كأنها صحافة لا تزال تطالب المواطن بأن يشتريها بالمال فى حين تقدم له الشاشات والمواقع نفس الخدمة مجانا .. ولا يقتصر الأمر على ذلك إنما تطالب الصحافة الناس أيضا ببذل الجهد وقطع المشاوير الطويلة ليجدوا بائعا للصحف .. وهو مجرد نموذج صغير قد يسخر منه البعض لكنه يجسد ويؤكد حاجتنا لمراجعة وتغيير كل أفكارنا وحساباتنا القديمة .. تماما مثلما تحتاج صحافة مصر حاليا لتغيير شامل فى مضمونها وطرحها واهتماماتها وألا تبقى كالديناصور الذى انتقل رغم أنفه من واقع الحياة ليسكن المتاحف وكتب التاريخ .. وأكتب هذا كجرنالجى الصحافة هى اختياره ومهنته وكبرياؤه وحياته أيضًا.