في ليلة باردة كنت أجلس مع بعض أصدقائي في أحد المقاهي .. كان فيلم”سر طاقية الإخفا” للمخرج نيازي مصطفى في إحدى القنوات.. كنت أتابعه باسمًا ومن طاولتين أو ثلاثة ظهرت ضحكات على مشاهد في الفيلم… هذا الفيلم الذي حفظناه جميعا عن ظهر قلب.. و لكنه يفرحنا و يضحكنا على الرغم من أن إفيهاته لا تمت لعصرنا بأدني صلة…
ربما كانوا يشاهدونه لأنه محبب لهم أما أنا فحبي لأفلام الأبيض و الأسود له أسباب أخرى.. سأعترف لك بإعتراف..
أنا في التاسعة و العشرين من عمري و أحلامي الكبرى تتمحوّر حول آلة زمن.
لا ..لا أريد أن أذهب للمستقبل .. فليذهب المستقبل الذي رسمه لنا د.نبيل فاروق في ملف المستقبل إلى الجحيم .. لا أريد مسدس ليزر أو هولوفيزيون أو حوّامه… و لا أريد أن أسافر إلى عهد الفراعنه .. و لن أرتدي بشكيرا أبدا من الذي يرتدونه على جدران معابدهم .. و لست مهتما بعالم أعيش فيه متنقلا بقافله من مكان لمكانكما رسمه لنا د/يوسف زيدان في تحفته النبطي.. كل ما أريده شهرين فقط في الخمسينات.
هل تحب أن تسير في شوارع وسط القاهرة في الساعات الأولى من الصباح تشاهد جمال العمارات ودقة وتفاصيل تصميماتها وتشعر برعشة ما ولا تشعر بنفس الشعور عندما تسير في أماكن أرقى حديثه؟
حسنا أنا لست وحدي إذن…
في سبتمبر 2010 طرح الثلاثي شيكو و هشام ماجد و أحمد فهمي فيلم سمير و شهير و بهير.. لقد أحبه الناس بسبب إفيهاته ربما و لكني أحببته بسبب فكرته.. آلة الزمن…
هل تعلم كم مرة سافرت عبر الزمن؟؟ مع كل رواية أو فيلم قديم كنت أتخيلني واحد من أبطالها و أعيش معه…
عشت في الحاره مع نجيب محفوظ وأفلامه ورقصت مع فاتن حمامه مرتديا قناع إسود ساذج وتشاجرت مع أحمد رمزي وتاجرت في حارة اليهود وحضرت حفلتين أو ثلاثه لأم كلثوم ووقفت بجوار عبد الحليم حافظ أستمع إليه في الشارع مرتديا بدلة من الصوف الإنجليزي الفاخر حتى فريد شوقي ومحمود المليجي خضت وحيدا أكثر من صراع معهم..
لقد أصبحت أحب الأفلام القديمة و الروايات التي تصف الأربعينات والخمسينات والستينات رغم أن أغلبها لا يعبر عن عالمنا و80% من قصصها كانت ستنتهي لو مع أي من أبطالها هاتف محمول..
لقد داعبت خيالك و أحلامك… لنرجع للواقع الآن.. أسأل نفسي و أسألك لماذا وصلنا لهذا؟ لماذا شباب لم يتعد عمرهم العقود الثلاثة يفكرون و يحلمون بالماضي رغم أن أمامهم الحاضر و المستقبل؟ هل أنت مؤمن بأننا في القاع و مازلنا نحفر؟ نعم؟
أجدادنا لم يكونوا أكثر علما أو ثقافة مننا لم يملكوا شئ عظيم إسمه إنترنت…. و لكن أهلنا كانوا أكثر رقيا و أقل تعصبا… كانوا أكثر محبة.. و أكثر هدوءا… و في الوقت الذي نفخر فيه بأننا جيل منطلق يستطيع أن يحلم .. كانوا هم يستطيعوا أن يحققوا الحلم ..في الوقت الذي نحلم فيه بالسفر للخارج .. كان هذا القرار قاتل لهم.. كانوا أقل عددا.. و كانوا أفقر أيضا.. كانوا لا يملكون رفاهية و لكن يملكون رضا.. و رغبه حقيقية في العمل و التغيير..
لأن السينما هي تأريخ للشعوب … دعنا نقوم بتجربة صغيرة …
حاول أن تسجل مشهد المصلحه الحكومية أو مشهد مريض في مستشفى حكومية من أفلام الأربعينات حتى أفلام الألفية الثالثة و ستعلم لماذا وصلنا لهذا و أننا وحدنا قادرين على التغيير …
لا أعلم ماذا سيكون المستقبل .. ولا ماذا سيحدث فيه ولكن كل ما أرجوه و أتمناه ألا يصاب أحفادي بنوستالجيا ما.. و يحلم حفيدي بأن يتشاجر مع محمد رمضان في فيلم أو يرقص مع صافيناز عاري الصدر… أو يقوم بعمل قائمة أغاني لشحتة كاريكا وسعيد الهوا.. تحت عنوان نوستالجيا..
أخيرا ..
كل الشكر لقائمة طويلة من مبدعيننا صناع أفلام الأبيض و الإسود على إهدائي آلتي الزمنية الخاصة.. أحبكم وأفتقد عصركم.. وبشدة..
اقرأ أيضًا:
8 معلومات عن “الحشرية” فجر السعيد
الإعلاميون المرشحون في البرلمان.. ممنوعين من الظهور
النيابة الكويتية تستدعي فجر السعيد