نقلًا عن جريدة صوت الأزهر
لا شك أن لقاء الرئيس السيسي مع الشيخ الطيب في قصر الاتحادية قبل أيام كان فارقًا في توقيته ومؤثرًا في دلالاته، فقد جاء اللقاء ليؤكد ثقة الرئيس في الأزهر ودوره، وليخرس أصواتًا إعلامية روَّجَتْ لخلاف بين الرئاسة والأزهر، وحلَّلَت أسبابه وفنَّدَت الأحاجي والقصص حول تفاصيل هذا الخلاف المزعوم.
وقد استعرَضَ الرئيس مع الإمام الأكبر (وفق ما أكَّدَه البيان الرئاسي)، الجهود التي يقوم بها الأزهر لتجديد الخطاب الديني، وتنقيته من الأفكار المغلوطة، وتطرَّقَ اللقاء إلى الدور الذي يقوم به الأزهر الشريف في تعزيز الحوار بين الأديان على الصعيد الدولي، كما أشار الرئيس إلى المسئولية الكبيرة الملقاة على عاتق الأزهر وشيوخه وأئمته الأجِلَّاء في تقديم النموذج الحضاري الحقيقي للإسلام في مواجهة دعوات التطرف والارهاب.
كنت أتمنى هذا اللقاء وأتوقعه، وتوقيته يعكس قراءة جيدة وذكية من الرئيس، وتقديرًا صادقًا لصعوبة اللحظة وتعقيداتها، ويقيني أن السيسي يدرك شراسة الحرب على العقل المصري، وأتمنى أن تشاركه وتتفاعل مع جهوده مؤسسات الدولة متكاملة، بدءًا من الأزهر الذي يجب أن يتحرَّر وينفعل وينشط في تطوير أفكاره وأدواته وشيوخه. وعلى باقي مؤسسات الدولة أيضًا أن تكمل العمل، فالعقل الذي ينقذه الفكر الديني المتجدِّد والمتطوِّر من براثن التطرف، يحتاج إلى ثقافة محترمة وراقية تُنِيره، وتنشِّط خلايا التحضر والوعي الإنساني بداخله، ويحتاج إلى فنٍّ حقيقي يسمو بروحه ويقوِّي عزيمته ويرفع مناعَتَه الفكرية، ويحتاج قبلهما إلى عمل شريف يوفِّر له حياة كريمة.
لا شكّ أن الجيش والشرطة هما رأس الحربة في المعركة العسكرية على الإرهاب، ومِن خلفهما يقف المجتمع بأكمله حصنًا منيعًا يحمي الوطن، أما الحرب الفكرية فإن الأزهر يمثل حجر الزاوية في جدار التنوير الذي يجب أن يشيِّدَه المصريون لتغيير عقول أظلَمَتْ، وتليين قلوبٍ قد أُغلِقَت على سواد، وتفكيك عائلات تحولت إلى عناقيدَ وخلايا بشرية أفرزت (جيتوهات) فكرية مسمومة، والأزهر وحده لا يكفي لاكتمال هذا الجدار.
كما أن هناك خطرَيْنِ يحطمان أي جهد تنويري، هما الفقر والجهل، لهذا على الحكومة أن تؤدي دورها في أن تشغل فراغ العاطلين، وتتحرر وتنشط هي أيضًا في توفير فرص عمل لهم، وعليها أن تنشط ألف مرة وتجعل التعليم هو همها الرئيسي، لأنه هو كل المستقبل. والتفكير الجاد والمثمر في المستقبل يخلق حالة من التفاؤل والنشاط المجتمعي يمكن أن تسهم في إخراج كثيرين من براثن الإحباط الذي خيَّمَ على مصر في الشهور الأخيرة، بسبب الغلاء الحارق الذي يكتوي به الناس منذ أن غرق الجنيه وسحبه التيار.. فخرست الألسنة وكُتِمت الأنفاس.
أعاننا الله وأعانكم.. ورزقنا وإياكم من حيث لا نحتسب.