كلنا يعلم أن الحشيش هو أحد أشهر أنواع المخدرات، وإن اختلف الباحثون المتخصصون على مدى تأثيره على متعاطيه، إلا أنهم اتفقوا على أن الأمر يصل به إلى حد الإدمان، مثله مثل كافة أنواع المخدرات، ويرتبط الحشيش عند متعاطيه بالخيال، فتجده يؤكد في كل وقت أن تدخين الحشيش سحر، يحلق بالعقل بعيداً نحو آفاق الإبداع، وابتكار الأفكار الخلاقة، دراسة طبية حديثة، أشرف عليها باحثون من جامعة ليدن الهولندية، أكدت أن إحساس المتعاطي هذا مجرد وهم، لا أساس له في الواقع، ففي اختبارات أجراها الباحثون على مجموعات من الأفراد المتعاطين وغير المتعاطين، أظهرت النتائج أن المتعاطين جاءت مخرجاتهم هي الأسوأ على الإطلاق، رغم أنهم أخذوا وقتاً أطول كثيراً في حل الاختبارات، وذلك مقارنة بغير المتعاطين.
ولأن الحشيش هو أحد أشهر أنواع المخدرات، نظراً لانتشار تعاطيه عالمياً، فهو يعرف بعدة مئات من الأسماء، منها الكيف في مصر والمغرب والجزائر، والبانجو في السودان، والتكروري في تونس، والحقبك في تركيا، والحشيش في سوريا ولبنان ومصر أيضاً، وبهانج أو جرس أو كانجا في الهند، والجريفا في المكسيك، والماريجوانا في أمريكا وأوروبا، أما أضراره، فهي عديدة ومتنوعة ومباشرة، على صحة الإنسان الجسدية والعقلية والنفسية، وتؤدي إلى تخريب المدارك بشكل فعال ومباشر، فتعاطيه لسنوات طويلة يؤدي لضمور خلايا المخ، وضعف الجهاز المناعي، والإصابة بسرطان الرئة لو اختلط بتدخين السجائر، وتدهور وظائف الكبد، والتهابات العين صعبة الشفاء، والصداع المزمن، واضطراب الجهازين العصبي والهضمي، وهبوط اللياقة البدنية، وأخيراً ضعف القدرة الجنسية على عكس ما يعتقد متعاطوه.
قد لا يكون هناك أي جديد في كل هذا عليك، ولكني آخذه مدخلاً لانبهك لحشيش يعيش بيننا في صورة بشر، إنسان مثلي ومثلك، ولكنه حشيش في مضمونه وتأثيره وشيوعه وأضراره، هو مخدر بكل ما تحمله الكلمة من معنى، مؤثر بأوهام ملؤها السحر والخيال، يشيع بكثرة في الجهاز الإداري للدولة، الحكومة يعني، بكل مؤسساتها، من بوابتها الخارجية، وحتى بابها العالي، أما عن أضراره، فهو لا يأخذك إلا إلى الوهم، فهو في الأصل أحد من ضيعوا في الأوهام عمرهم، فقد تمرغ في الميري عاماً وراء عام، حتى صار موظفاً كبيراً، بيده الحل والعقد، تغير عليه رؤساء دولة ورؤساء حكومة ووزراء، وهو ينمو ويترعرع، يتوغل ويستمر، حتى يصل بمؤسسته إلى مرحلة إدمانه، فتمكينه في حالتنا هذه.
ماذا يفعل حشيش؟.. يخرب مدارك المؤسسة، التي هي مواردها في هذه الحالة، فيهدر قدراتها وقدرات العاملين بها على حد سواء، تموت هذه القدرات مع الوقت، بينما يحيا هو وينتعش، وما حال كل مؤسسات الجهاز الإداري للدولة سوى الوفاة الإكلينيكية؟!.. وما حال العاملين به إلا الترهل؟!.. وما حال كل حشيش بها إلا التسلط والاستبداد على الضعفاء؟!.. والسمع والطاعة وطلباتك أوامر وخيال وسحر وإبداع كله تمام أمام الأقوياء؟!.. حشيش على عكس ما يعتقد كثيرون، يسمع ويرى ويتكلم، ولكنه لا يسمع إلا نفسه، ولا يرى سواها، ولا يتكلم إلا عنها، فهو حامي الحمى، مستبد يتوهم نفسه عادلاً، يفهم القانون جيداً، بل ويحفظ نصوصه عن ظهر قلب، ولكن لا ليطبقه بكل عدالة، وإنما ليخرج عليه بكل براعة.
أزمة بلدنا الآن في حشيش، في كل حشيش يشغل مكانة هناك في مؤسسات الدولة، فلن تقوم لها قائمة طالما ظل هناك، وتعافيها في تعافيها منه أولاً، حتى تفيق من غفلة سحره وخياله، فتستنهض قدراتها وقدرات مواردها البشرية، حاسبوا حشيش أو أقيلوه، أو حتى على المعاش المبكر خذوه، وكافة حقوقه اعطوه، فهي قليلة مهما كثرت، وخسارتها تهون أمام خسارة وطن، فلن تتقدموا خطوة، إلا إذا أخذتم قراركم الذاتي بالتوقف عن تعاطيه، افعلوها الآن وليس غداً، فبقدر ما تسارعوا نحو التوقف عن تعاطيه، بقدر ما تتعافون سريعاً من آثاره المدمرة، فليس أسوأ من إدمان حشيش هو في الغالب جاهل غبي عنيد!!.. وكما قال المتنبي، ذو العقل يشقى في النعيم بعقله، وأخو الجهالة في الشقاء ينعم.