نقلا عن المصري اليوم
المرأة هى الشفرة، تستطيع عن طريقها ليس فقط قراءة السينما المصرية، ولكن الصورة الدرامية التى تُرسم للمرأة فى الأفلام تحدد ملامح صورة ذهنية تقفز فوق الكادر السينمائى، لتستقر فى ضمير المجتمع باعتبارها واقعاً يعيش على الشاشة ويتنفس فى الشارع.
فى إطلالة سريعة على المرأة الحلم فى السينما نجد العديد من الأسماء التى شغلت خيال الناس، ولا تستطيع أن تفصل العوامل الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والسيكولوجية عن هذا الاختيار، الناس تظل فى حالة بحث عن ملامح هذه المرأة الحلم، يعيشون معها فترة من الزمن ثم يستبدلونها بعد استيقاظهم بحلم آخر وامرأة أخرى!
كانت ليلى مراد هى أول فنانة على الشاشة تتجسد فيها أحلام الناس، وبرغم أن هناك أكثر من امرأة سبقت ليلى مراد زمنياً إلا أنها فقط هى التى حققت هذا الحلم، عزيزة أمير وفاطمة رشدى وآسيا وبهيجة سبقنها والمطربتان أم كلثوم ونادرة كانتا ورقتين رابحتين فى السينما الغنائية قبل «ليلى مراد»، لكن ليلى هى الحلم الأسطورى فى السينما.. خلال 17 عاماً قدمت 28 فيلماً ثم اعتزلت عام 55 وعمرها لم يتجاوز 37 عاماً لتظل حلماً لا تصيبه الشيخوخة أبداً حتى لو استبدلناه بحلم آخر.
ليلى مراد هى حلم مجتمع ما قبل ثورة 23 يوليو ورغم أنها استمرت ثلاث سنوات بعد الثورة لكن الصورة التى حققتها كامرأة، مدينة لعصر الملك فاروق. إنها الأمل المستحيل الذى يداعب خيال الفقراء، بأن ابنة الطبقة الأرستقراطية، لها مشاعر وأحاسيس، وبرغم أن أولاد البلد لا يملكون أموالاً ولا أطياناً أو عقارات، فإن لديهم كنوزاً من الشهامة والجدعنة، ليلى من الممكن أن تترك قصرها المنيف وتتزوج أحد الصعاليك الفقراء وتأكلها بـ«دقة»، وتعانق الجدعنة والشهامة والمروءة!
ببضعة ملاليم فى الثلاثينيات كان ابن البلد يقطع تذكرة الدخول إلى دار العرض لكى يعيش مع «ليلى مراد» ويقهر طبقة الأثرياء ويأخذ بفحولته هذه المرأة من بينهم، يتقمص دور أنور وجدى ابن الحارة المصرية خفيف الدم.
لم تقدم ليلى أى مشهد يحوى إغراء جسدياً، أقصى ما هو متاح «قبلة» فى نهاية الفيلم لأنها دوماً الحلم المستحيل، ترنو إليها مثل القمر فى السماء، ولكننا لا نقيم مع القمر علاقة جسدية!
أخذت فاتن حمامة الراية من ليلى مراد، بدأت المشوار وهى طفلة فى نهاية الثلاثينيات فى فيلم «يوم سعيد» لمحمد كريم، فاتن بملامحها وحجم جسدها الضئيل تتعاطف معها وتشعر بأنك مسؤول عنها، وكانت هى حلم الخمسينيات والستينيات بشخصية درامية لا ترفع شعار «ممنوع اللمس» مثل ليلى مراد.. من الممكن درامياً أن تسمح فاتن بالاقتراب بينها وبين الرجل ولكنها تضع شرط الحب أولاً، إنها الشخصية المثالية فى أغلب الأفلام إلا فى حالات قليلة مثل «طريق الأمل» حيث لعبت دور فتاة ليل فى طريقها للتوبة أو «الخيط الرفيع» حتى خيانتها لزوجها فى «نهر الحب» كان السيناريو يحرص على أن تكره أنت زوجها زكى رستم وتأتى الخيانة جزاء مستحقا وبناء على طلب الجماهير. ومن جيل فاتن حمامة تتوهج شادية، كانت على الشاشة فى البداية الفتاة خفيفة الدم رغم جرأة نظرة العين المقتحمة للرجل وتعددت أدوار شادية فهى تؤدى أيضاً دور المرأة المشتهاة جسدياً «اللص والكلاب»، «زقاق المدق»، «ميرامار»، «المرأة المجهولة»، «الطريق» وغيرها، «شادية» امرأة لها رغبات فى الحياة تختار الرجل الذى تريده وتتحدى الأسرة وتمارس الجنس بصراحة مع عشيقها، شادية منحت المرأة فى السينما علاقة جسدية واضحة، لم يكُن لديها تحفظ فاتن حمامة.
«هند رستم» المثال النادر فى السينما المصرية، فإذا كانت الرقة فاتن فإن الأنوثة هند رستم، ليس إغراء الجسد بقدر ما هو نداء الجسد، يكفى أن ترتدى هند جلباباً بلدياً فى «باب الحديد» أو «صراع فى النيل» أو «ابن حميدو» حتى يتمناها كل الرجال. ماجدة الصباحى تشعرك أنها الوجه الوطنى للسينما بأفلام مثل «جميلة بوحريد»، «العمر لحظة»، «مصطفى كامل»، «ثورة اليمن» أو الوجه الوقور المتدين المتحفظ مثل: «انتصار الإسلام»، «بلال مؤذن الرسول»، «هجرة الرسول»، لكن عندما تريد ماجدة القفز فوق هذه الأسوار تجد لديها «أين عمرى» و«المراهقات» و«الحقيقة العارية» و«السراب» و«الرجل الذى فقد ظله» و«النداهة»، ولو أردت أن تلخص كل أعمالها الدرامية فى جملة لقلت إنها التحفظ الظاهر فى الملامح، بينما يكبت المشاغبة الكامنة فى أعماقها!
رومانسية مريم فخر الدين فى أفلام مثل: «لا أنام»، «حكاية حب»، «رد قلبى»، «بقايا عذراء»، «رسالة إلى الله» حققت فيها درجة من الشاعرية، لم تصل إليها نجمة أخرى من جيلها أو بعد جيلها.
لبنى عبد العزيز، رغم المشوار القصير الذى قدمته فى السينما فإن خريجة الجامعة الأمريكية حملت قدراً من التعبير عن المرأة العصرية منذ نهاية الخمسينيات حتى نهاية الستينيات والذروة «أنا حرة»، قيمة لبنى أنها لم تكن مثل أغلب من جئن زمنياً بعد فاتن حمامة مجرد تنويعات على فاتن مثل زبيدة ثروت أو آمال فريد، لكنها حالة حقيقية ومحاولة للتعبير عن مرحلة تغيير جذرى فى المجتمع، كانت مثل بطل سباحة مائة متر ولم تفكر فى عبور «المانش»!
سميرة أحمد كان ينظر إليها فى بداية انطلاقها أنها تنويعة درامية على فاتن حمامة، إلا أنها امتلكت خصوصية وقدمت أدوارا عاشت بيننا «الخرساء» و«قنديل أم هاشم» و«البنات والصيف» الجزء الأول الذى أخرجه صلاح أبوسيف.
سعاد حسنى هى التعبير الحقيقى عن صورة المرأة منذ نهاية الستينيات حتى مطلع الثمانينيات.. تجسدت أحلام الشباب فى نموذج «سعاد»، تجمع بين الأنوثة والجمال ممزوجاً بقدرة على الإبداع لا يطاولها أحد. تحررت من كل القيود وعبرت عن كل الأحاسيس، المجتمع المصرى كان يسمح بقدر من الحرية والانطلاق، ولهذا لم تكُن الأسرة ترى فى أفلام سعاد خروجاً عن المألوف، وكانت أصدق تعبير عن تلك المرحلة بوجهها المعتق جمالاً ومصرية وعصرية!
نادية لطفى كانت تكمل بوجهها نموذج الجمال الأرستقراطى، لكن ابنة البلد فى أعماق نادية لطفى أحالت الملامح الأرستقراطية إلى جمال شعبى متاح، ولهذا تبرع فى أدوار مثل «النظارة السوداء»، «المستحيل»، «الخائنة»، «السمان والخريف»، «قصر الشوق»، وتؤدى دور فتاة الليل فى أكثر من فيلم بأستاذية بلا أى استسهال أو ترخص!
نادية الجندى ونبيلة عبيد نموذج أنثوى ارتبط بتغيير فى المجتمع من اشتراكية السوق إلى الانفتاح الاقتصادى.. كانت القوة التى يملكها رأس المال هى التى تحدد المواقع. ولهذا فإن بدايات نادية ونبيلة تتشابهان زمنياً منذ نهاية الخمسينات، وبداية الانطلاق واحدة، فى منتصف السبعينات عندما تُقدم نادية الجندى حياة الراقصة «بمبة كشر» لحسن الإمام. وبعدها بعدة أشهر قليلة تقدم نبيلة عبيد دور الراقصة ببا عز الدين فى فيلم «بديعة مصابنى» لحسن الإمام أيضا!
الإغراء بالجسد سمة مشتركة بين نادية ونبيلة، وفى وقت الانسحاب النسائى من السينما وسيادة سينما الرجل حيث كان الأبطال منذ نهاية الستينات حتى منتصف التسعينات هم عادل إمام ومحمود ياسين ونور الشريف وحسين فهمى ومحمود عبدالعزيز وأحمد زكى ولم يصمد سوى نادية الجندى ونبيلة عبيد، تدعم كل منهما الإيرادات وتقدمان غريزة الأنثى بكل وضوح ومباشرة، وبينما كل من نجلاء فتحى وميرفت أمين لديهما الجاذبية والجمال فإن نادية الجندى ونبيلة عبيد لديهما الإغراء المباشر ومشاهد الجنس الصارخ، إلا أنهما ومهما كانت أحكامنا النقدية بحق نجمتا شباك!
وفى مراحل متلاحقة منذ نهاية السبعينات حتى الثمانينيات تبدأ يسرا ثم ليلى علوى وإلهام شاهين، جيل يسرا وليلى وإلهام لم يصبحن نجمات شباك بالمعنى الحقيقى للكلمة، إلهام شاهين هى الأكثر امتلاكاً لموهبة الأداء والتنوع لكنها بددت طاقتها فى عدد كبير من الأفلام وعدد أكبر من المسلسلات.
ليلى علوى كانت هى المؤهلة بينهن للحصول على لقب نجمة الشباك، واقتربت من تحقيق ذلك فى أفلام مثل «المغتصبون» لسعيد مرزوق، لكن لم يتم دعم «المغتصبون» بقفزات أخرى فى أرقام الشباك.
يسرا هى مزيج من موهبة «إلهام شاهين» فى الأداء ونجومية شباك «ليلى علوى»، لا توجد تحفظات رقابية عندهن حتى لو اشتملت المشاهد على قبلات أو إغراء، وجه ليلى يحمل جمالاً مشوباً بطفولة، ويسرا وجه له جاذبيته وتفرده، وإلهام شاهين تملك أن تقدم باقتدار دور ابنة البلد التى تجدها بكثرة فى الشارع، يسرا تبدو الآن الأكثر بريقا وإلهام الأكثر حرصا على البقاء، بينما ليلى علوى تخوض معركة البقاء بهدوء.
سلم هذا الجيل للجيل التالى الأرض السينمائية محتلة بالنجوم الرجال، المجتمع المصرى منذ منتصف التسعينات ازداد تحفظاً وراهنت أغلب نجمات الجيل التالى مثل منى زكى وحنان ترك وحلا شيحة وغادة عادل على هذا التحفظ وازداد استسلامهن مع ترديد تعبير «السينما النظيفة»، بينما هند صبرى ومنة شلبى فى مرحلة لاحقة وقفتا على الجانب الآخر مع اختلاف الدرجة.
منى زكى فنانة موهوبة تتمتع بفطرية وتلقائية وذكاء وجمال هادئ مؤهلة لأن تُصبح نجمة شباك لهذا الجيل، شباك «منى» لا يمنحها حتى الآن القوة اللازمة لكى تصنع لها أفلاما مثل النجوم الرجال وأولهم زوجها أحمد حلمى، تستطيع «منى» أن تقدم أدواراً مرحة لتنتقل بملامحها من الجمال الهادئ إلى الجمال المشاغب مثل تلك التى تميزت بها سعاد حسنى، لو وجدت منى السيناريو والمخرج لحققت سينمائيا نجاحا مضمونا، حنان ترك ترددها قبل الحجاب خصم الكثير من قدرتها الإبداعية وأرى لها فى آخر فيلمين وصولا إلى ذروة فى فن الأداء «قص ولزق» و«دنيا»، بعد الحجاب وضعت الكثير من القيود، قرارها قبل ثلاثة أعوام بالاعتزال كان صائبا وهو ما فعلته حلا شيحة التى كانت تعد بالكثير، غادة عادل بحاجة حتى تتألق إلى مخرجة مثل ساندرا نشأت فى «ملاكى إسكندرية» أو محمد خان فى شقة مصر الجديدة، هند صبرى أكثر النجمات قدرة على الاختيار ومن «مواطن ومخبر وحرامى» وهى تقترب أكثر من الجمهور ورصيدها من الجوائز يزداد لكنها لم تتحقق كنجمة شباك، إنها تتشكل إبداعيا باقتدار.
نيللى كريم، ذكاء يتحرك على قدمين أعجبنى اختيارها لأفلام مثل الفيل الأزرق وهيبتا واشتباك، وراهنت على «بشترى راجل» ساهمت بأجرها فى الإنتاج، لا يزال نجاحها التليفزيونى أكبر، منة شلبى تملك مغناطيسية تخرج من عينيها رغماً عنها، موهوبة لكنها لا تعرف قواعد اللعبة، أعجبتنى فى آخر أفلامها نوارة، ياسمين عبدالعزيز تبدو لى فى أحيان كثيرة أنها لا تدرك كم هى جذابة وموهوبة، وهى الوحيدة التى تحقق أرقاما معقولة فى الشباك، مى عز الدين، نجمة تبحث عن فيلم، داليا البحيرى وسمية الخشاب، كانتا واعدتين سينمائيا ثم تعثرتا، غادة عبدالرازق من الواضح أن جيناتها الفنية بقدر ما تصالح التليفزيون تخاصم السينما، زينة تتمتع بحضور خاص منذ أن قدمها داوود عبدالسيد فى «أرض الخوف»، أحلامها كبيرة والتوقع لها كان كبيراً أيضاً، بالتأكيد حكايتها الأخيرة مع أحمد عز بددت الكثير من طاقتها، روبى كانت مشروعا ناجحا ومبشرا لنجمة شباك لو امتلكت الذكاء الفنى، ومع الأسف تكتشف أنها مثلا ضحت بدورها فى فيلم «فتاة المصنع» لمحمد خان فأسند دورها إلى ياسمين رئيس لتحصد عشرات الجوائز، دُنيا سمير غانم من حقها أن تحصد نجاحا جماهيريا أكبر غناء وتمثيلا، وهناك مشروعات قادمة لم تتحقق بعد أذكر منهن ياسمين صبرى وريم مصطفى وندى موسى.
المرأة فى السينما رأسمالها الجمال والحضور ولكن هناك شىء أبعد من ذلك.. إنها «الكاريزما»، وفى تاريخنا الفنى أستطيع أن أذكر حتى الآن خمساً تمتعن بتلك المنحة الإلهية.. ليلى مراد، فاتن حمامة، هند رستم، شادية، سعاد حسنى!
وبعد سعاد لا نزال ننتظر النجمة صاحبة الكاريزما.. فهن فقط اللاتى يكتبن تاريخ السينما!.