أحمد أبوالخير يكتب: عن الذواقة

في الوقت الذي كانت العلاقات فيه ما بين مصر – الجُمهورية -، و الصين – الشعبية – تُدعم، كان جانب مِنْ هذا الدَعم يسعى حثيثًا نحو مِيدان الأدب، وهذا أنجح الميادين بالطبع .

و كان أحق المساحات بالإهتمام – طبعًا – الترجمة؛ لكي نتعرف علي طبيعة هذا الشعب، كيف تعمل هذه العقول المُنتجة؟، ما الذي يدفعهم نحو ريادة العالم؟ وغير ذلك مِنْ علامات الإستفهام الكثيرة التي لن تجد لها إجابة إلا بدراسة الأدب؛ فالأدب شافِ وافِ لكُل صغيرة و كبيرة، فهو لا يكتفي بعرضِ فكرة فقط، بل تصورًا كاملاً لنفسيةِ الأشخاص، لطبيعة المكانِ، لكُل تفصيلة صغيرة، تدفعُ بك إلي الإحاطة الشمولية الكاملة.

وهذا ما فعلته رواية الذواقة في جانب منها للكتاب الصيني “لو وين فو” المُترجمة بواسطة يارا المصري.

وفيها بإختصار مُقتضب للغايةِ، يتحدثُ الكاتب عن الشخص الرأسمالي تشو زي تشي، الشره للطعام، والذي كانت حياته مُرتبطة كُل الإرتباط بالطعام وفقط، شرب الشاي، التندر مع الرفاق حول ما أكلوه بالأمس، وما سيأكلونه اليوم، و في نفس السياق يتحدث عن الشخصية الرئيسية، قاو شياو تينغ، والتي هي مُتماسة تماسًا رهيبًا مع الكاتبِ، و أجزاء من حياته الشخصية.

ستتبع رحلة هذين الشخصين مع بعض الشخصيات الثانوية المُساندة لهما، الرحلة في مدينة سوجو التي تقعُ جنوب الصين، رحلة – في الظاهر – حول الطعام، حول الشبع والنهم، حول كيف يكون الشخص فعلاً ذوّاقة ؟، ولكن – في الباطن- في العُمق، ستجد عزيزي القاريء أنها تتحدث عن الثورة، عمّا يفعله الرأسماليون في المُجتمع، عَنْ فساد الثورات و هذا ما قد عبّر عَنه حينما قال :

وقد كُنت أشعر بالإضطراب داخل المطعم كذلك، خاصة أنني كُنت أمقت رؤية هذا السلوك حيث يتناول الناس طعامهم بنهم و زهو. كان ثلث الطعام علي الطاولة الواحدة يضيعُ هباء، وكانت حاويات الفضلات تمتليء ببقايا السمك و اللحم والأرز الأبيض. لقد تحول الأمر من ” فسد اللحم وخَمَّ الخمر في القصر الوسيع” إلي ” فسد اللحم و خَمَّ الخمر في المطعم الوسيع” و إذا أُفلت العنان للامور وكُنت مُتسيبًا، فأي ثورة قُمت بها ؟

لا يكتفي فقط مثلما قال في الإقتباس السابق بنبرة اليأس، و لكنه يضع الأُسس لتنجح أي ثورة أو إنتفاضة أو ما شابه ذلك من أمورِ حينما قال :

فمن الأفضل أن تحث الشباب وتضعهم في المقدمة. هم ليسوا مُتحفظين، ويملكون روح الإقدام، ويُمكنهم أن يعبروا خط الحراسة، ثم يتراجعوا قليلاً مرة أُخرى، إلي أن يتجاوزا الحد في إصلاح الخطأ، لعل هذا هو منطقهم

وهذا جانب ضئيل ممّا قد تُقدمه الراوية لك، علي الرغمِ من أن أول ما قد يجيء في ذهنك أن الراوية عن الأكل، و التذوق ولكن كما أخبرتك أن هذا الأمر من الظاهر، فغص في الباطن وأكتشف الفضاءات التي تروقُ لك و تهواها كما تُريد.

يارا المصري من المُترجمين القديريين في مجال الترجمة عن الصينية مُباشرة، فهي تقف في صف كُله أساتذة عتيدة، من د/ محسن فرجاني، إلي الأستاذة مي عاشور، و الأستاذة ميرا أحمد.

يارا مُترجمة مُتمكنة من الأدوات، لن تشعر وأنت تقرأ بأن النصَ مُترجم أبدًا، فأنت قد نفذت منذ أول وهلة، منذ اللحظة الأولى وقد أنخرطت. ستسحرك المفردات التي أشبه ما تكون بفتاة مياسة العود، ممشوقة القوام، لا إعوجاج ولا عوّار – في المفردات بالطبع -، حتي الهوامش التي تضعها، هوامش في صميم النص، هوامش تُفيد لا لتزعق كما ترى عند آخرين .

الكاتب بروايته هذه قد حصل علي وسام فارس في الفنون والآداب الفرنسي عام 1989، وقد صدرت مُترجمة في سلسلة الجوائز عدد رقم 154 بترجمة أ/ يارا المصري، والذي للجمال قد حصلت هي الأُخرى علي جائزة جريدة أخبار الأدب في فرع الترجمة لأول مرة في العام السابق عام 2016 م كأنّ الكاتب أراد أن يجود علي مُترجمته من العالمِ الآخر.