دائماٌ ما كنت أسير حافية أبحث عن حذاء مناسب، أمضى وقت كبير فى متاجر المدينة فى البحث عن حذاء مناسب لأستكمل طريقى الطويل الذى لا أعرفه، بعد ارهاق كبير أكاد أجده وقد شرعت أن أفرح، لكن وللأسف فى نهاية الأمر أجده غير مناسب، وأكتشف أنى قد علقت فى منتصف الطريق فلا أستطيع الرجوع من حيث أتيت ولا المضى قدما الى حيث كنت أتمنى.
هكذا كنت أصحو غير راضية عن حلمى المتكرر لأقصه على جدتى رحمها الله، كانت تتابع بشدة وتؤكد أن الحذاء فى الحلم “عريس”، ثم تسأل السؤال المعتاد “لبستيه؟” فأجاوبها أيضا كالعادة “لأ”، فتواسينى وكأننى حزينة “لسه النصيب مجاش”، فأتركها لتكمل دعائها وأتحقق من أحذيتى الحقيقية لأطمئن أننى لست حافية، أحذيتى التى لم تُخذلنى أبداً، حتى تلقى حتفها فى هدوء، دون ألم أو شكوى، دائماٌ ما كنت أسأل جدتى عن مغزى الربط بين العريس والحذاء فى الأحلام؟ فترد فى عفوية “هو كده..الجزمة فى الحلم عريس”!
عندما مرت بى سنوات كثيرة مليئة بخبرات تحمل الكثير من الدروس، حملتها فوق ظهرى فى صلابة، أدركت أن تفسير الجدة لابد وأن يكون صحيحاٌ، فالحذاء ستر لنا وعون ووقاية من وعثاء الطريق، تذكرت أحلامى جيدا، فرأيتنى تارة أنبهر بشكل هذا الحذاء ولمعته وأناقته، وقد عقدت العزم على شرائه بأغلى الأثمان، لكنه أبدا لم يريحنى ولو لمرة واحدة، أتعبنى وأهلكنى جلده القاسى حتى ضقت به فخلعته فى نهاية الليلة لأستريح وفضلت السير حافية، حتى أننى عالجت قدامى لفترة من الزمن من آثاره، وتارة يريحنى حذاء آخر لكننى لا أكون على سجيتى معه، لا أرى نفسى معه، بل اننى لا أستطيع أن أرتديه كل الأوقات لفرط تواضعه وخجلى منه، فأضطر الى تركه فى حين تمنيت أن يطور من نفسه لكننى أعلم أنه لن يستطيع، وتارة أنخدع فى متانة وأصل آخر، لكنه ومع أول اختبار حقيقى يفشل ويتهتك من جميع جوانبه، فلا أستطيع الا أن ألقى به بعيدا حتى أبحث عن غيره، وهذا يبدو عملى لكنه ألوانه الفاقعة لن تتحمل ما أمر به عبر الزمن من اختلاف فصول السنة، هذا جميل ويبدو مريح أيضا لكنه يريدنى مانيكان متأنقة طالما كنت حية وأنا انسانة تمر بمراحل كثيرة من مراحل الحياة فلن استطيع تلبية طلبه، وهذا واسع مقاسه بالتأكيد سوف يوقعنى فى عثرات أنا فى غنى عنها، هذا أنيق جدا لكنه ضيق جدا، لن يُجدى نفعاً، هذا يبدو على ما يرام لكن رائحته مقززة لأن خامته رديئة وليست أصيلة، وهناك أحذية تناديك ويسيل لعابها وهى فى قدم احداهن!
وهكذا تمضى كل منا فى البحث عن حذائها التى طالما حلمت به وأرادات ان ترتديه ما تبقى لها من العمر، واذا ما أردنا سرد جميع النواع نحتاج الى كتاب، ويا للعجب أنواع كثيرة ولكن متشابهة، الأصيل منها نادر وثمين.
فقط عليكى بالبحث عن ذوقك الخاص وراحتك التى تبحثين عنها، دون الالتفات الى آراء من حولك، فكما فعل الناس بجحا سوف تتكر فعلتهم معك، سوف ينتقدون قصر قامتك اذا ما ارتديتى حذاء بغير كعب، وأيضا سوف ينتقدون طول قامتك اذا ما ارتديتى حذاء بكعب عال، وفى كل الأحوال فأرجل كل شخص فى حذائه هو وليست فى حذائك أنت، أنت من يختار وأنت من يقرر، وحينما تحين لحظة الاختيار والقرار والشراء تذكرى أنك من يدفع الثمن، وتذكرى أن قدميك اذا ما تأذت لن تستطيعى حملك والوقوف حتى تتعافى تماما، وقد تترك أثراٌ لا يزول الا بعمليات التجميل، لكن الأثر النفسى هو الأصعب معالجته على الاطلاق، حيث لا تجدى عمليات التجميل نفعا، فإذا ما ارتديته وتأكدتى أنه الحذاء المناسب فى كل فصول عمرك وتقلباتها، فاشتريه ولو بكل ما تملكين، فهو الأثمن، واذا غلبك التردد فاتركيه دون عزاء وابحثى عن غيره، ولا تتهاونى ولو بقيت حافية طول الطريق.