تعد ظاهرة “الأخبار المفبركة “#Fake News” هي العنوان العريض لعام 2017، ليس على مستوى القضايا التي تشغل بال الصحافة فقط، ولكن السياسية والتكنولوجياً أيضا.
لا يكاد يمر يومًا دون أن نرى مقال أو تقرير عن هذه الظاهرة في الصحافة العالمية، وما أحدثته تلك الأخبار المضللة في الانتخابات الأمريكية أرعب العالم، وجعل الأنظار كلها تذهب صوب الشركات التي تتحكم في الانترنت، وبمعنى أخر لديها القدرة على التحكم في عقول العالم. وتحديدا فيس بوك وجوجل.
في هذه السطور سنحاول أن نكتشف أخر حلقات هذه المعركة.. ونطرح أسئلة عن الدور المنتظر من الإعلام المصري.
*****
في فبراير الماضي، كانت ذروة ردود الفعل، خاصة وأن هناك مجموعة كبيرة من الانتخابات سيشهدها العالم في 2017، في الهند وإندونيسيا والأرجنتين، وفي ألمانيا وفرنسا وهولندا، تقريبًا معظم دول أوربا لديها انتخابات رئاسية أو برلمانية هذا العام، وهي تقريبا القارة التي تزعمت الضغوط على الشركات التكنولوجية المعنية بنشر أو بمنع نشر الأخبار المفبركة.
جوجل
رغم أن ظاهرة انتشار الأخبار المفبركة التصقت أكثر بفيس بوك والذى مثل المنصة
الرئيسية لانتشار مثل هذه الأخبار، لكن لا يمكن أن تعفي جوجل من المسؤولية، لماذا؟
لأن النموذج الربحي الذي تعتمد عليه المواقع التي بثت تلك الأخبار المضروبة يعتمد على نظام إعلانات جوجل ADSense، ولأنه كلما زادت الحركة على الموقع زادت العائدات، تسعى هذه المواقع لنشر أي محتوى في سبيل الحصول على زيارات تجلب لها أرباح مستفيدة من المنصة التي أعطتها لها جوجل.
بالإضافة الي أن إجابات جوجل المختصرة التي تسمى “One True Answer”، والتي تظهر في مربع مستقل تحتوى على معلومات غير دقيقة، والكثير من نتائج البحث تظهر مصادر غير موثق بها فقط لأنها دفعت لكي تظهر في نتائج البحث عن طريق ADWords، وذلك حسب تقرير رصد حالات كثيرة مشابهة باللغة الإنجليزية لمجلة “Fortune”، وهو ما يمكن أن نلاحظه مع الحالة المصرية، فعلى الأقل نصف نتائج البحث عن “أخبار هامة” تظهر مصادر غير موثوق بها، وإذا بحثنا مثلا عن ” من بنى الاهرام؟” ستجد نتائج مذهلة!.
ولكي تكتشف واشنطن بوست حقيقة المنظومة الربحية لهذه المواقع، قامت بتحقيق متخصص حول طريقة عملها ونموذجها الربحي، وذكرت أن واحد منها وهو نسخة مقلدة من ABC news، يحقق شهريا ما لا يقل عن 10 ألاف دولار أمريكي من جوجل فقط، دون أن يكون للموقع الأصلي الحق في أن يوقف المقلد، أو أن يحمي علاماته التجارية أو سمعته أو حتى محتواه من السرقة.
ماذا فعلت أوروبا لمواجهة جوجل؟
تاريخ المواجهات بينهما ممتد منذ فترة، والصيف الماضي شهد اتهام مفوضية الاتحاد الأوربي لجوجل بالاحتكار، من خلال نظام “اندرويد” الذي أجبر مصنعي الهواتف الذكية على تضمين محرك بحثها ومتصفحها “كروم” في نظام تشغيلها الأشهر في العالم “أندرويد”، الذي يعتمد عليه أكثر من 1.5 مليار مستخدم في العالم، ما يضر بالمنافسين، ويحد من حرية الابتكار.
ومع استفحال ظاهرة الأخبار المفبركة في نهاية العام، وقرب موسم انتخابي كبير في أوربا، ما تزايدت الضغوط على جوجل، وفعلا استجابت، وهذا ما فعلته، لعله يفيد أن تحذو حذوه وسائل الإعلام المصرية.
أولًا، أكدت على لسان المتحدث الرسمي أندريا فافيل، أن الشركة ستعمل على تغيير سياستها بشأن المواقع التي تنشر أخبار محرفة أو مضللة أو مفبركة، حيث ستعاملها معاملة المواقع التي تحمل مُحتوى إباحي أو عنيف، وهذا يعنى وضع المواقع المفبركة ضمن قائمة المحرومين من جنة “اد سيسنس الإعلانية”، وهي أكبر شبكة إعلانات رقمية في العالم.
ثانيًا، قامت بإطلاق خدمة Crosscheck للتحقق مع الأخبار المفبركة بالشراكة مع مؤسسة First Draft وبالتعاون مع نحو 17 مؤسسة إعلامية فرنسية، منهم وكالة الأنباء الفرنسية، والتليفزيون الفرنسي، فرانس 24، وصحيفة لوموند، وليبراسيون وغيرهم، وفتحت جوجل الباب لدخول المزيد من وسائل الإعلام الفرنسية، وهناك حوارات مماثلة تتم مع ألمانيا وبعض دول الاتحاد الأوربي.
فيس بوك
الواقع أن أغلب سهام النقد موجهة ضد فيس بوك بصورة أساسية، وبخلاف موضوع الأخبار المضروبة، فعلاقة فيس بوك بوسائل الاعلام توترت للغاية، خاصة وأن الشركة باتت تمثل وريث محتمل لكل وسائل الإعلام، فعليها بث مباشر للفيديو، وقريبا بث مباشر للصوت، واستحوذت على خدمة التعليقات من كل المواقع الخبرية، بالإضافة لخدمة Instant Article التي لم تثبت جدواها الاقتصادية بعد، ما دفع الكثير من المؤسسات الإعلامية من تقليل الاعتماد عليها.
ويتوقع أن يشهد هذا العالم خلافات عميقة بين المؤسسات الإعلامية في مواجهة تغول وتوغل فيس بوك، ولامتصاص غضب وسائل الإعلام، لذلك سعت لمواجهة الأخبار المفبركة وأظهرت قدرا من الاستجابة وأعلنت عن تعاون مع بعض المؤسسات الفرنسية أيضا قبل الانتخابات بشهرين.
وستتيح فيس بوك للمستخدمين الإبلاغ عن الأخبار التي يعتقدون أنها غير حقيقة، وبالفعل بدأت تظهر هذه الخاصية لدي بعض المستخدمين في أوربا وأمريكا فقط، وبعد الإبلاغ عن تلك الأخبار التي يعتقد انها غير صحيحة، يقوم صحفيون مستقلون بالتحقق من تلك الأخبار، وفي حال أقرت مؤسستان إعلاميتان بزيف هذه الأخبار يتم تحذير المستخدمين بواسطة خدمة التحقق Snopes الشهيرة، وربما تُحذف مباشرة وتستبدل
بها الأخبار الموثوق لاحقًا.
وفي ألمانيا هناك جهود مشابهة أثمرت عن تعهد بملاحقة الأخبار المزيفة، وتعهدت فيسبوك على لسان مارك زوكربيرج بالتعامل مع هذه المشكلة بجدية.
بي بي سي
قامت بشكل فردي بإعادة تنظيم غرفة أخبارها وطبقت استراتيجية Slow News، وقامت بتعيين فريق ذو خبرة ليكن مسؤولا عن مراجعة القصص بشكل مضاعف والتحقق من صحتها بأدوات رقمية ومهنية؛ وكذلك فعلت الجارديان ونيويورك تايمز، و وال استريت جورنال، في الواقع العديد من غرف الأخبار في العالم تقوم حاليا بمراجعة دورة العمل بها، لكي تضع معايير تحقق وتدقيق أكثر، وبات يطلق على هذا العام، UNFAKING THE NEWS.
وفي سياق متصل، بدأت برامج تدريب مكثفة خاصة بالمحررين القدامى منهم، للتمكن من أدوات التحقق الرقمية، لكي لا يقعوا في شرك أخبار مفبركة، وعلى الناحية الأخرى ظهرت دعوات كثيرة لنشر الوعي بين القراءة حول طرق الكشف عن الأخبار المفبركة، وهو ما سنركز عليه في اعداد قادمة من “نيوزليتر”.
مصر
على الرغم من الدور الكبير السيئ الذي لعبته الأخبار المفبركة في السنوات الست الماضية، ما أضر بمصداقية وسائل الإعلام المصرية، فلم نرى حتى الآن أي جهود رسمية أو غير رسمية، فردية أو جماعية لمواجهة هذه الظاهرة، بل لم نلاحظ تحقيق أو حملة صحفية من قبل أي وسيلة إعلامية لكشف وفضح تأثير مثل تلك الأخبار، ليس فقط على مصداقية وسائل الإعلام، ولكن على القرارات الخاطئة التي يمكن أن يتخذها أي مواطن نتيجة التعاطي مع أي أخبار غير حقيقية.
ولكن مازالت هناك مساحة للتحرك، فمصر تمثل ثلث مستخدمي الإنترنت في المنطقة العربية، والقاهرة واحدة من أكثر عشر مدن نشاطًا على فيس بوك على مستوى العالم، وهي الأكثر نشاطا بالنسبة لجوجل أيضا؛ وأي ضغط منظم سيؤتي ثماره، شريطة أن يكون جماعيًا ومنظمًا، وهو ما سيسعى الي تنسيقه منتدى الصحفيين المصريين في الفترة القادمة.