هناك محاولات بشكل مستمر لتشويه أدب الروائي العالمي نجيب محفوظ، الحاصل على جائزة نوبل في الأدب، من جهات وجماعات متطرفة، ومهاجمة فكره والوقوف ضد ما قدمه من أعمال أدبية خلال فترة حياته، لكن من الغريب دخول تلك الأفكار إلى بيت نجيب محفوظ نفسه.
فقد كشف تقرير للصحفي أيمن الحكيم، نشرته جريدة “الدستور“، في عددها الصادر أمس الثلاثاء، 14 مارس، عن امتناع فاطمة وأم كلثوم، ابنتا نجيب محفوظ، عن تحويل رواية “أولاد حارتنا” لعمل فني، كذلك الوقوف ضد إقامة متحف خاص بوالدهما.
وأكد “الحكيم” في تقريره، أن منذ سنوات حاول المخرج خالد يوسف، الحصول على موافقة ابنتي نجيب محفوظ لتحويل رواية “أولاد حارتنا” إلى عمل سينمائي برؤيته الخاصة، وقدم كل ما يمكن تقديمه من ضمانات وإثباتات لحسن نيته تجاه الرواية ومؤلفها وأفكارها، وكان يمني نفسه أن يكون “أولاد حارتنا” هو الفيلم الذي يليق بعودته إلى شاشة السينما بعد سنوات غيابه الطويلة منذ ثورة يناير وغرقه في بحر السياسة، لكن يبدو أنه فشل في مهمته، بدليل أنه أغلق ملف الرواية وبدأ في تجهيز عمل تاريخي عن أيام المسلمين في الأندلس.
المصير نفسه واجه السيناريست الكبير وحيد حامد، الذي كان قد عرض مليون جنيه لشراء حق تحويل “أولاد حارتنا” إلى مسلسل تليفزيوني، وحصل على موافقة السيدة الراحلة عطية الله، زوجة نجيب محفوظ، وقت أن كانت صاحبة القرار في سنواتها الأخيرة، وعندما آل الأمر إلى ابنتيه اختلف الأمر، وهو ما تجلى في اتجاه “حامد” إلى استكمال مشروع مسلسل “الجماعة”، واستثمار وقته في كتابة الجزء الثاني، بعد أن فقد الأمل في “أولاد حارتنا”.
كذلك ما حدث في مشروع إقامة متحف لنجيب محفوظ، يضم كل ما يتعلق بتجربته الإبداعية والإنسانية من أول جثمانه إلى نظارته الطبية. فعندما رحل أديب مصر في 30 أغسطس 2006، صدر قرار من وزير الثقافة يومها فاروق حسني، بإقامة متحف لـ”محفوظ”، وتشكلت لجنة، برئاسة الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة، وقتها دكتور جابر عصفور، للإشراف على تنفيذ القرار، وجرى اختيار وكالة «محمد أبو الدهب» الأثرية القريبة من الحي، الذي نشأ فيه “محفوظ” وتربى وكتب،. ومرت أكثر من عشر سنوات على صدور القرار الوزاري ولكن المتحف مازال مجرد قرار على ورق. وأكد التقرير أنه من المؤكد أن هناك أسبابًا كلاسيكية لهذا التأخير المذهل، حيث يتبادر إلى ذهنك فورًا الروتين الحكومي القاتل، والتغيرات السياسية ورياح الثورة وسنوات الفوضى فيما بعد يناير 2011، وصعود التيار الإسلامي وموقفه معروف من نجيب محفوظ، ولذلك كان منطقيًا أن يتوقف مشروع إقامة متحف لصاحب “نوبل”.
لكن – فوق تلك الأسباب المتوقعة – هناك سبب آخر غير متوقع ولا يخطر على بال، فقد رفضت زوجة نجيب محفوظ طلب اللجنة الوزارية الخاصة بالمتحف بنقل رفاته إلى وكالة أبو الدهب الأثرية، لسبب ديني شرعي، فقد كان من رأيها أن نقل رفات الموتى “حرام”، وأنها حصلت على فتوى شرعية تقول إنه لا يجوز نقل جثمان “محفوظ” من مقبرته بالفيوم.
كانت «فتوى» زوجة الأديب العالمي أحد الأسباب القوية لتأجيل مشروع متحفه طيلة هذه السنوات.. لم تتحمس للمتحف، في حين كان حماسها بالغًا لإنشاء مسجد يحمل اسم نجيب محفوظ، في قرية “العزيزية” قريبًا من ميدان “الرماية” على طريق مصر – إسكندرية الصحراوي، وتكلف بناؤه ما يزيد على نصف مليون جنيه، بالرغم من عدم اقتناع الأديب يوسف القعيد، أحد أبرز حرافيش نجيب محفوظ في سنواته الأخيرة بالفكرة، وكان من رأيه أن توجه أسرة “محفوظ” هذا المبلغ لإقامة متحف يحمل اسمه ويخلد تاريخه ولو في شقته الشهيرة على نيل العجوزة، بعدما تنتقل الأسرة إلى فيلتها الجديدة. وكانت وجهة نظره أن مكان المسجد سيجعل منه مجرد استراحة و”مبولة” لسائقي الميكروباص والنقل على طريق الإسكندرية الصحراوي، وتدريجيًا ستحيط به “غرز” الشاي والشيشة، التي تقدم خدماتها للمسافرين، وسيتحول المنظر إلى وضع لا يليق بنجيب محفوظ ولا اسمه ولا مكانته.
تابع أيمن الحكيم في تقريره: “لا أعرف مصدر هذا الهاجس الذى سيطر على أسرة كاتبنا الكبير، وجعلهم على شبه قناعة أن رواياته كانت رجسًا من عمل الشيطان، وأنه عاش حياته بعيدًا عن الله، ومن ثم فإن عليهم أن يكفّروا عن سيئاته، فيبنون له مسجدًا كصدقة جارية على روحه، وأن يمنعوا تحويل “أولاد حارتنا” إلى عمل فني، خشية أن تلاحقه ذنوبها في قبره. وهو موقف غريب ومحير، وكأن نجيب محفوظ كان من “عبدة الشيطان”.