في تجربته الروائية الطويلة الأولى يغامر المخرج شريف البنداري بروح الفنان بعيدا عن حسابات الربح والخسارة لصناعة السينما، ومن المؤكد أن صناع الفيلم جميعا خاضوا تلك التجربة السينمائية وهم يعلمون انها مختلفة وستكون مفاجئة لجمهور دور العرض والذي عادة ما يريد فيلما “للمتعة والتسلية” دون رسائل خاصة ودلالات كثيرة يحملها ولكن هذا الفيلم ربما يفتح الباب لموجة سينمائية جديدة تخرج عن المألوف الذي ساد الإنتاج السينمائي المصري خلال السنوات الماضية، لكنها بالتأكيد ستكون لجمهور محدود.
الفيلم ركز على البعد النفسي للشخصيات بشكل لافت وكيف ممكن أن تقرب المشاكل الإنسانية بين شخصيات ليس بينهم أي علاقة، حتى في الشخصيات الهامشية مثل الضابط خلال مشهده أظهر الفيلم الجانب النفسي “المضطرب” لبعض رجال الشرطة في كيفية تعاملهم مع المهمشين، ولذلك كان الصدق الشديد للشخصيات وتجسيدها وخاصة “علي” من أهم عناصر الفيلم وتحديدا الفنان “علي صبحي” الذي أبرز موهبة تمثيلية تستحق التقدير والإهتمام من صناع الفن في مصر وخطوته الفنية القادمة ستكون صعبة، ولفتني هنا أكثر أداء الممثل “أحمد مجدي” عن دوره في فيلم “مولانا”.
نعيش خلال الأحداث رحلة إنسانية مع الثنائي على و إبراهيم بعد أن جمعتهما مشكلات نفسية خاصة ولفظهما المجتمع الذي ينتميان إليه فقررا أن يخوضا رحلة البحث عن الشفاء سويا! وكانت ثالثتهما المعزة “ندى” وهي هنا تعويضا عن البطولة النسائية الغائبة في الفيلم وممكن القول أنها كانت صاحبة حضور خاص جدا لدى الجمهور وبالفعل وفَق المخرج شريف البنداري في إختيارها وتصويرها مع علي وإبراهيم في أكثر من مشهد جذاب، وأضاف وجودها بسمة وكوميديا للعمل.
العمل يتحدث عن “المهمشين” والذين طالما تحدثت عنهم أعمالا سينمائية عدة ورحب بهم الجمهور بشدة فالبطل هنا شخص بسيط للغاية يعمل تابع لسائق ميكروباص ويعيش في سعادة مع حبيبته “البديلة” المعزة ندى! ولا يحمل من هموم الحياة شيئا، هو هنا رمزا للكثيرين من هؤلاء المهمشين الذين تمتليء بهم المحروسة واللافت أن “علي” أكثر ما يزعجه معاملة الأم بسخرية لحبيبته المعزة ندى! والتي هي مصدر السعادة في حياته البائسة، ناسيا باقي هموم الدنيا، حتى وان تعرض لمواقف صعبة مثل الصدام مع الدولة متمثلة في ضابط الشرطة والذي يتعامل معه بسخرية حتى يتقلب الأمر للسخرية من الضابط نفسه! لا يخرج الفيلم من عالم المهمشين فنعيش معهم طوال الأحداث دون الدخول في تفاصيل كثيرة لحياتهم المعقدة.
قصة وسيناريو الفيلم بهما غموض لذلك الجمهور لم يفهم ماذا يريد، كذلك الإشارة لسبب الإرتباط العاطفي لعلى بعنزته غير مقنع ! وصولا لمشهد النهاية لم نعرف ماذا يريد وهل ينتصر للدجل والشعوذة المسيطر على عقول هؤلاء! بالقاء الشابين للحجارة في نهر النيل وإستكمال ما طلبه المشعوذ منهما لعلاجهما!؟ ولكنك ستجد نفسك متعاطفا مع معظم شخصيات الفيلم لاسيما على والمعزة “ندى”.
التصوير والموسيقى أبرز عناصر الفيلم وساعدت على إندماج الجمهور مع مشاهد الفيلم بشكل كبير وكانت مناسبة جدا لمواقف العمل المختلفة سواء أغنية “أهلا يا مينا” لفرقة لايك جيلي أو أغنية “اللف في شوارعك” لمحمد محسن والتي قدمت أيضا بموسيقى المهرجانات الشعبية بصوت والحان “حسن شاكوش” كانت إضافة جيدة لعالم وأحداث الفيلم.
خصام جماهيري قديم!
في ثمانينيات القرن الماضي بدأ المخرج والمؤلف والمنتج “رأفت الميهي” موجة سينمائية مغايرة أهمها ثلاثية سينمائية قدمها مع الفنان الراحل محمود عبدالعزيز حيث جازفا معا في دور العرض بهذه الأعمال ولكنها لم تحقق نجاحا جماهيريا في ظل وجود أفلام عادل امام وأحمد زكي ونور الشريف وغيرهم من نجوم شباك السينما حينها حيث كانوا يقدمون أفلام المغامرة والكوميديا الجاذبة للجمهور.
إيرادات “علي معزة وإبراهيم” جاءت ضعيفة جدا وصلت لنحو ٢٠٠ الف جنيه بعد أسبوعي عرض وكانت التوقعات تشير لتحقيقه أرقاما أفضل من ذلك ولكن عدم وجود نجوم شباك سبب مباشر لعدم تحقيق الفيلم للإيرادات بالاضافة لغرابة الفكرة وموضوع العمل ليظل الجمهور المصري في حالة “خصام” مع سينما الفانتازيا.