فى العالم كله نجحت أمريكا فى خلق حالة من التماهى مع جائزة محلية مفروض أن لا تتجاوز تخومها أمريكا، لتصبح هذه الجائزة هى عنوان العالم.
منذ بداية التفكير فى الأوسكار الذى تأسَّس عام 1927 وبدأ بعدها بعامين، كان مجرد حفل صغير لا يتجاوز 15 دقيقة ولا يبثّ مباشرة، إذ كنا وقتها فى عصر الإذاعة قبل بدايات التليفزيون، إلا أن ماكينة الإعلام الأمريكية نشطت كالعادة، فاتسعت دائرة الاهتمام لتشمل العالم كله، خصوصا فى عصر الفضائيات الذى أسقط تماما حدود الجغرافيا.
ولا يقتصر الأمر على الحفاوة فقط بالسينما، بل نجد أن هذه الاحتفالية قد غدت ساحة للتعبير عن الغضب السياسى، مثلا عندما ندّدوا بالغزو الأمريكى للعراق، أو عندما رفض مارلون براندو الجائزة بسبب موقف أمريكا من الهنود الحمر، كل هذه التفاصيل خارج النص، لكنها تمنحه قدرا غير محدود من الاهتمام. الجائزة للسينما الأمريكية أو لو اتسعت الدائرة لصارت للسينما الناطقة بالإنجليزية، مع جائزة أخرى تشغل اهتمام العالم، وهى أفضل فيلم أجنبى المقصود به غير الناطق بالإنجليزية، وتم الإعلان عن هذه الجائزة بعد أكثر من عشرين عاما لانطلاق الأوسكار ، إلا أنها لم تستطع أن تشكّل إلا فقط فقرة هامشية فى هذا الاحتفال الضخم.
كثيرا ما تنشط الكواليس قبل الإعلان الرسمى عن الجائزة، وهذا العام وجدنا دعوات تطالب بمقاطعة الحفل، بحجة أن جوائزه عنصرية تكره السود، ولأنه أيضا يضطهد المرأة، إلا أن الواقع أثبت أن كل هذه الضربات لا نصيب لها من الصحة، فهى أقرب إلى قراءة متعسفة للترشيحات، بحجة أنه لا يوجد ممثل أسود البشرة ضمن القوائم القصيرة، سواء للدور الأول أو الثانى، من الرجال أو النساء، كما أن غياب المرأة عن قائمة الترشح فى العناصر الفنية، الإخراج أو المونتاج أو التصوير، وغيرها، أظهر الأمر وكأنّ هناك عداء للمرأة، وهى نظرة قاصرة جدا، لأنها تعامل الفن على طريقة كوتة السياسيين الذين يحرصون على نسبة لضمان تمثيل المجتمع بكل طوائفه خصوصا الأقليات، لا أتصوَّر بالمناسبة أن وجود أكثر من 90% بين أعضاء الأكاديمية البالغ عددهم 6100 عضو من أصحاب البشرة البيضاء، ولا لأن أكثر من 70% من بينهم رجال، يعدّ دليلا على العنصرية، لكنها قناعات الأعضاء الذين يصوِّتون بأسلوب ديمقراطى. كانت المنافسة شرسة بين الأفلام الخمسة التى كان لكل منها من الأسباب ما يؤهله لاقتناص الأوسكار ، لكن فى نهاية المطاف ذهبت الجائزة إلى من حقّق عددا أكبر من الأصوات. أتصوَّر أن الفروق ضئيلة جدا بين الأفلام الخمسة المرشحة، فحصيلة أربعة عناصر للفيلم الفائز بيردمان ، حيث له السيناريو والإخراج والتصوير، تعنى أن الأمر لم يكن سهلا، لدينا مثلا فى التاريخ بن جور حقَّق 12 عنصرا من أصل 24، و تايتانيك 11 جائزة، و سيد الخواتم نفس الرقم فى عدد الجوائز، المخرج أليخاندرو جونز أليز شارك نيكولاس جياكبون فى السيناريو المأخوذ عن أصل أدبى حصل على جائزتَى الإخراج والسيناريو للرجل الطائر، لو راجعت أفلام الأوسكار الفائزة خلال 87 دورة ستكتشف أن السيناريو دائما هو العنصر اللصيق بمن يحصل على جائزة الفيلم الأفضل، فما بالك لو أضفنا إليه جائزتَى الإخراج والتصوير. الفيلم يعبّر عن منطقة تقف بين الواقع والحلم، وأدى الممثل مايكل كيتون دوره ببراعة، حيث توقف به العمر عند شخصية الإنسان الخارق، الذى يعايشه ويسكنه، فهو لم يكن دورا يؤديه بقدر ما كان المخرج يحطّم بعبقرية الخط الفاصل بين الوهم والحقيقة، الفيلم من خلال أداء مايكل كيتون لهذه الشخصية يبدو كأنه يحاول الإمساك بالزمن الهارب، السيناريو فى كل تفاصيله بين الواقع والخيال حتى إن اللقاء الجنسى فى المسرحية يحيله السيناريو إلى واقع، والناقدة التى تتوعد البطل بالنقد بل والتشهير فى نهاية الأمر تكتب تشيد بالعرض.
ولا تستطيع أن توقن متى يبدأ الواقع داخل النص الدرامى ومتى يخلص الفيلم للدراما.
هذا النسيج الخاص جدا كان هو الطريق أمام الرجل الطائر ليطير بـ الأوسكار ويحلّق أيضا به!
نقلًا عن “جريدة التحرير”
أكثر 25 صورة رواجًا من حفل الأوسكار
تامر أمين عن رفع أسعار السجائر: الحكومة بتظبط الشعب
مادلين طبر وحلمي بكر وأحمد راتب في لجنة تحكيم “نجم المدارس”