فاتن الوكيل
لم يشفع للمنطقة تاريخها العريق، حتى أصبحت “المطرية” منطقة مهمشة وعشوائية إلى حد كبير. تلاشت منها الغيطان مع مرور السنوات حتى أصبحت مزيجا من الكتل الخرسانية المكتظة. لكن في يوم وليلة، أصبحت المطرية حديث مصر والعالم المهتم بآثار مصر القديمة.. مصر الفرعونية.
بدأ الأمر صباح يوم الخميس 9 مارس، عندما أعلن الدكتور خالد العناني، وزير الآثار، عن استخراج تمثالا “يُرجح” أن يكون لرمسيس الثاني، وذلك في سوق الخميس بالمنطقة. العناني أكد في تصريحات إعلامية من موقع الحفر، أن المطرية من المؤكد أنها تحتوي على معبد لرمسيس الثاني يتضمن البهو وصالة الأعمدة وقدس الأقداس، ولكن سيتم الحفر في المنطقة بحرص نظرا لوجود كثافة سكانية حولها.
معلومات أساسية
وهنا نستعرض بعض المعلومات الأساسية المتعلقة بحي المطرية، والبداية مع الاسم، وأصل الكلمة يعود حسب عدد من المواقع الإلكترونية إلى كلمة Mater اللاتينية وتعني “الأم”، وذلك بسبب مرور السيدة العذراء في هذه المنطقة.
وطبقا لموقع محافظة القاهرة، الذي يتوفر من خلاله بعض المعلومات الأساسية عن الحي، يتضح أن حي المطرية انفصل عن حي “شرق القاهرة” عام 1991 بقرار رقم 510. ووفقا لآخر إحصائية لسكان المنطقة فيقطن بها 648789 نسمة.
يتكون الحي من عدة شياخات، وهي: “العزب، والمطرية البحرية، والمطرية الغربية، والمطرية القبلية، وشجرة مريم، وعرب أبو طويلة، وعرب الحصن، وعين شمس الغربية، وعزبة النخل الغربية”.
مسلة وشجرة
أون أو هيليوبوليس أو مدينة الشمس، كلها مرادفات تاريخية لحي المطرية الآن، وتعتبر مسلة سنوسرت الثالث، الأثر الباقى والظاهر من معالم تلك المدينة بالإضافة إلى بعض ألواح من الحجر الجيرى لأبواب وهمية للمقابر، وتماثيل وأحجار منقوشة فى الجانب الجنوبى للمسلة، وقد عرضت فى نفس المكان الذى عثر فيه على هذه الآثار، إذا نحن أمام مسلة باقية في مكانها الأصلي منذ 4 آلاف سنة.
وحسب موقع “رحلات مصر” فإن ترجمة النقوش الموجودة على أوجه المسلة الأربعة هي: “حورس المولود من الحياة ملك مصر العليا ومصر السفلى – المولود من الحياة – ابن رع سنوسرت المحبوب أرواح أون – معطى الحياة الى الابد حورس الذهبي المولود من الحياة الإله الجميل هو أقام هذه المسلة فى اليوم الأول لاحتفال سد معطي الحياة يعيش الى الأبد”.
وقد أحاطت هيئة الآثار، المسلة، في السابق، بألواح توضح المعلومات الأساسية المتوفرة عن مسلات المنطقة، حيث كتب عليها: “مسلة سنوسرت الأول الأسرة الثانية عشر 1940 قبل الميلاد وهى من الجرانيت الوردى من محاجر أسوان ارتفاعها 20.4 مترا ، تزن 121 طنا، عرفت بعض المسلات الأخرى في هذه المنطقة مثل مسلة الملك تيتى من الأسرة السادسة، ومسلتى تحتمس الثالث من الاسرة 18 وسيتى الأول من الأسرة 19، والمسلتان الأخيرتان نقلتا الى لندن وروما وتعتبر المسلة رمزا لإله الشمس رع”.
وتتعاقب الحقب التاريخية على المنطقة، لتأتي السيدة مريم العذراء مع السيد المسيح هربا من الملك هيرودس، “شجرة مريم” من الآثار التي تحمل أيضا قيمة دينية كبيرة، حيث هربت الأسرة المقدسة من الملك هيردوس في فلسطين إلى أرض مصر، ومكثوا فيها ما يقرب من ثلاث سنوات، ومن ضمن المعلومات التي ذكرها موقع “أخبار مصر” الرسمي، فإن السيد المسيح فجّر في المطرية عندما وصلتها الأسرة المقدسة، نبعا من المياه التى شرب منها وباركها، ويقال ان السيدة العذراء قد غسلت ملابس المسيح وصبت الماء على الأرض فنبت فى تلك البقعة نبات عطرى ذو رائحة جميلة هو المعروف “بنبات البلسم”.
وذكر موقع “رحلات مصر” الذي يقدم دليلا سياحيا عن أبرز الأماكن في مصر، أن شجرة العذراء مريم الأصلية التى استراحت عندها العائلة القدسة قد ضعفت وسقطت عام 1656م، فقامت جماعة من الكهنة بأخذ فرع من فروع هذه الشجرة وقاموا بزرعها بالكنيسة المجاورة لمنطقة الشجرة والمسماة بكنيسة الشجرة مريم ونمت الشجرة وتفرعت، ومنذ فترة قريبة تم أخذ فرع من هذه الشجرة، وتم زرعه بملاصقة للشجرة الأصلية.
من افتتاح المصانع إلى “إلحق قنبلة”
المنطقة القديمة لم تكتف بحفظ آثار مصر الفرعونية على مدار آلاف السنين، لكنها أيضا كانت مقصدا لإقامة المصانع في فترة من أزهى عصور مصر صناعيا، حيث يظهر من فيديو نشره موقع “ذاكرة مصر المعاصرة” التابع لمكتبة الإسكندرية، لقطات فيديو تعود إلى عام 1959، عندما قام الدكتور “عزيز صدقي” وزير الصناعة في عهد الزعيم جمال عبد الناصر، بافتتاح شركة “مصر للمستحضرات الطبية” في المطرية.
لم تُستثنى المطرية من قاعدة الإهمال التي أصابت جميع المناطق العريقة في مصر. ومع الإهمال والفساد والجهل والعشوائية، كان من الطبيعي أن تُصبح بيئة خصبة لانتشار التيارات الإرهابية والمتشددة، وظهر ذلك جليا من خروج العديد من التظاهرات المؤيدة لجماعة الإخوان الإرهابية في هذه المنطقة منذ إسقاط حكم الإخوان عام 2013. وأصبحت المطرية في تلك الفترة مكانا يؤرق الأمن في مصر.
ليس ذلك وفقط، بل شهد الحي العديد من العمليات الإرهابية، سواء العثور على قنابل مفخخة، أو تفجير بعضها بالفعل، ويظهر ذلك بمجرد البحث عن اسم المطرية ملحقا بكلمة “قنبلة” على موقع جوجل.
https://www.youtube.com/watch?v=XWxixnrq3QM
وخلال فترة عدم الاستقرار الأمني التي عاشها الشارع المصري عقب إسقاط حكم الإخوان، وقعت العديد من الاشتباكات الدموية بين الأمن ومؤيدي الإخوان، ويظهر من الأخبار المتداولة أن بعض أفراد الجماعة حاولوا تكرار نموذج اعتصام “رابعة” في 25 يناير 2014، ولكنه فشل بعد الصدام مع الأهالي أعقبه اشتباكات مع قوات الأمن.
والآن وقد عادت المطرية من جديد إلى الواجهة الإخبارية، ولكن من الباب الأثري للمنطقة. انتهت يوم أمس الاثنين، عملية نقل تمثال المطرية، والذي تم نفي انتسابه إلى الملك رمسيس الثاني كما كان يُرجّح. وقد تم استخراجه ووضعه على سيارة حيث تم نقل إلى المتحف المصري.
لكن يتبقى مع كل هذا، نظرة قلق في عيون سكان المطرية، فبين الفخر بالتاريخ العريق للمكان، وفرحتهم الحقيقية وهم يرون لحظات استخراج بقايا التمثال، يبقى الخوف يداهمهم تحسبا لإزالة منازلهم للبحث عن مزيد من الآثار.