انتشر مصطلح التعليم المنزلي في كثير من المنظمات الدولية والهيئات التربوية وأجهزة الإعلام العالمية في الفترة الحالية، كما أصبح التعليم المنزلي مبدأ يؤخذ بعين الاعتبار في الاصطلاحات التربوية في كثير من البلدان المتقدمة، فالعالم يعود إلى الفطرة، إلى طريقة التعليم التي صنعتها الحضارة، حيث التعليم المنزلي هو الأصل في التعليم.
ويرجع تاريخ التعليم المنزلي – منذ زمن بعيد – إلى أفلاطون وأرسطو، فكلاهما تعلم بالمنزل، فالتعليم المنزلي كان التعليم الأساسي عند اليونان القديمة، وهناك أمم وشعوب لم تذهب قط إلى المدارس، وتعلمت بالمنزل، تضمنت أسماءً بارزة وشخصيات هامة، منهم رجال دولة وملوك ورؤساء دول وعلماء دين وخبراء سياسيين مثل جورج واشنطن، جراهام بيل، الملكة إليزابيث، توماس إيدسون، إليكسندر، توماس جيفرسون، مارك توين، ليوناردو دافنشي، موتسارت، الأخوان رايت وآخرون.
لقد اعترف كثير من البلدان الأوربية خلال القرنين الماضيين بالتعليم المنزلي كنمط تعليمي بديلاً عن التعليم الرسمي أو الخاص، كما أن بعض الحكومات الأوربية وضعت له تنظيماته وتشريعاته مثل الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة وبلجيكا والدانمارك وأيرلندا وفرنسا وإيطاليا والبرتغال والسويد، وعلى النقيض هناك دول ما زالت تهاجم تعليم الطلاب بالمنزل مثل أسبانيا وهولندا وألمانيا، ولكنها تسمح باجتهادات فردية للتعليم من جانب الأسر، وتجدر الإشارة أن هناك أسر تعرضت إلى السجن والأحكام القضائية نتيجة تعليم أبنائها بالمنزل سراً في الولايات المتحدة الأمريكية، ونتيجة تزايد الأعداد والضغط من قبل الأفراد، اضطرت الدولة لإصدار تشريعات لتنظيم هذا النوع من التعليم، وفي المملكة المتحدة طالبت الأسر بمنحهم الحرية في تعليم أبنائهم بالمنزل، فأصدرت الدولة قانوناً للتعليم المنزلي، وأشارت أنه حق من حقوق الإنسان.
ولهذا التعليم المنزلي فلسفة وأنظمة وإجراءات تختلف من دولة إلى أخرى، ويخضع التعليم المنزلي بشكل عام لسياسة تعليمية واحدة، ترى أن التركيز يجب أن ينصب على الثمرة من التعليم، والمقصود بالتعليم المنزلي هو التعليم الذي يتلقاه الطالب أو الطالبة في المنزل وليس في المدرسة، ويقوم بتعليمه والداه أو أحدهما أو شخص آخر مؤهل من الإخوة أو الأقارب أو الجيران أو المدرس الخصوصي، ويقتصر هذا النوع من الدراسة على التعليم العام أو الخاص من المرحلة الابتدائية إلى الثانوية، وعلى أن تؤدى الاختبارات المطلوبة في المدرسة، التي تتولى بدورها تنظيم الاختبارات والإشراف عليها وإظهار النتائج النهائية، التي تقرر نجاح الطالب من عدمه، ويفضل أن يخضع الوالدان أو من يخول بالعملية التعليمية في المنزل لدورة قصيرة تجريها وزارة التربية والتعليم، للتعريف بالمهمتين التعليمية والتربوية، وبالضوابط واللوائح النظامية، والإرشاد نحو الأساليب التربوية والنفسية الملائمة للأطفال، والتوجيه نحو الكتب والمراجع المناسبة.
ولا شك أننا في مصر في حاجة ملحة للاستفادة من الفرص التعليمية الأخرى، التي قد تخفف العبء على المدرسة التقليدية في إطار تعليمي مناسب، كما نحتاج لإشراك أولياء الأمور في العملية التعليمية بشكل عملي، ونحتاج أيضاً لأن نحافظ على أطفالنا من تلقي السلوك السلبي المحتمل اكتسابه من أقرانهم في المدرسة، والتعليم المنزلي قد يكون كذلك حلاً مناسباً للظروف الطارئة التي قد تتعرض لها الدولة، مثل الأمراض المعدية أو الوبائية، التي يمكن أن تعصف بالمحيط المدرسي، أو الأحداث السياسية، التي قد تضطر الطلاب في وقت ما لعدم مغادرة المنزل، كما أنه حل آمن لطلاب المناطق النائية، الذين قد يقابلون بعض المخاطر أثناء الذهاب إلى المدارس، ومما لا شك فيه أنه ملائم للطلاب ذوي الاحتياجات الخاصة.
لم يكن مقالي هذا إلا نصاً بتصرف بسيط راعيت ألا يكون مخلاً، لمقدمة كتاب مصر بلا مدارس، الصادر عن دار العصرية للنشر والتوزيع، وهو في الأصل رسالة الماجستير للباحثة المجتهدة وفاء رفعت البسيوني، والذي يمثل خلاصة جهد بذلته على مدى عامين، في محاولة جادة ومخلصة للوقوف على الفرص البديلة المتاحة، إذا كنا نتحدث عن إصلاح منظومة التعليم بطرق غير نمطية، الكتاب يستحق التوقف عنده باهتمام وعمق، ليس فقط من القائمين على ملف التعليم المصري، ولكن منا جميعاً آباء أو أمهات أو أولياء أمور، فالمدرسة بمفهومها التقليدي لم تعد هي الحل بأي حال من الأحوال.